محمد عفري
حينما دق البنك الدولي مؤخرا ناقوس الخطر المحدق بسوق الشغل الوطني؛ فليس فقط لأن معدل البطالة استفحل في عهد حكومة أخنوش، إلى أرقام غير مسبوقة تتجاوز 13% في تاريخ المغرب المستقل، ولكن لأن حلول خلق فرص الشغل تبقى دون تطلعات المغرب “الراكب” اقتصاده سفينة الصعود ضمن باقي الاقتصادات الصاعدة في منطقة “مينا” على الأقل..
ورغم أن آفاق التوقعات الاقتصادية للمغرب قوية حسب المؤسسات الدولية، وتتسم بالسيطرة على التضخم، مدعومة بقوة التموقع الخارجي للمغرب، ومسار اقتصادها ثابت نحو ضبط أوضاع المالية العمومية، واستقرار نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي؛ إلا أن أرقام معدلات البطالة في ارتباطها بسوق الشغل، تقف في وجه هذه الآفاق، إذ رغم الجهود المبذولة بصدد أسواق الشغل في المناطق الحضرية حيث أظهرت تحسنا مع إضافة حوالي 162 ألف فرصة شغل، إلا أن خلق فرص الشغل لا يزال يشكل تحديا جسيما ويُنبئ بمخاطر وتحديات على المدى الطويل، وهو ما يفسره ارتفاع عدد السكان في سن العمل بأكثر من 10 في المائة، خلال العقد المنصرم؛ في حين لم تزد فرص الشغل إلا بنسبة 1.5 في المائة. وهي فجوة متسمة بالآثار المستمرة لصدمات ما بعد الجائحة، والآثار المتأخرة للإصلاحات الأخيرة، ونسبة مشاركة المرأة في سوق الشغل..
الإصلاحات الهيكلية التي بادر إليها المغرب منذ أكثر من عقد للصعود باعتباره تفترض اليوم مواصلتها على قدم وساق لمواجهة الصدمات الأخيرة وتحديات التوظيف، لا سيما تلك التي تؤثر على الشباب المغربي، لكونها بالغة الأهمية لاستدامة النمو الاقتصادي وتتطلب اليوم ضرورة إدخال تحسينات موجهة إلى بيئة ومناخ الأعمال.
رغم أن المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي تتوقع أنْ يرتفع معدل النمو الكلي إلى 3.6% في عام 2025، وبعدها 3,5% في 2026، ورغم أن الأمطار الأخيرة التي شهدها المغرب، ستكون بآثار إيجابية على “مناخ الأعمال الفلاحي”؛ إلا أن كل ذلك لن يكون في صالح سوق الشغل بالمساهمة في خلق فرص العمل و”تذويب” معدلات البطالة، ما يجعل حكومة أخنوش التي تعيش السنة الأخيرة من ولايتها حكومة تفاقم سوق الشغل المغربي بارتفاع معدلات البطالة عبر ارتفاع العاطلين وانخفاض معدلات خلق فرص الشغل..
صحيح أن آخر وأحدث تقرير “شتاء 2025″، قدمه البنك الدولي مؤخرا؛ يذهب متشائما إلى أن تباطؤ النمو الكلي لإجمالي الناتج المحلي (PIB) في المغرب إلى 3.2% عام 2024 بسبب آثار الجفاف؛ لكنه أشاد بأن النمو غير الفلاحي ارتفع إلى ما يقدر بنحو 3.8 في المائة، مدفوعا بتنشيط القطاع الصناعي وانتعاش تكوين رأس المال الإجمالي كما نوه بانخفاض معدل التضخم إلى أقل من 1 في المائة، مما أتاح لبنك المغرب البدء في تخفيف السياسة النقدية، علما أن المغرب يبقى من أوائل البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي دشنت مسلسل تيسير السياسة النقدية، وتلك كلها عوامل لا ولن ترقى إلى الوقوف في وجه تفاقم سوق الشغل الوطني في عهد حكومة أخنوش التي تراهن على مشاريع ملكية ضخمة، جذبها جلالة الملك محمد السادس استثمارات كبيرة إلى المغرب بعلاقاته الشخصية بقادة الدول العظمى الصديقة والشريكة للمغرب، وفي مقدمتها، مشروعا كأس العالم 2030 وكأس إفريقيا لهذا العام، (2025 )..
وتبقى معدلات البطالة المرتفعة في عهد حكومة أخنوش من التحديات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي فشلت فيها هذه الحكومة التي تسمح لنفسها بالاتصاف بكونها حكومة “اجتماعية” وذات مشاريع اجتماعية خدمة لصالح المجتمع المغربي، وهو الفشل الذي كان وراء الصدمة التضخمية الأخيرة التي أدت إلى تآكل القوة الشرائية للأسر؛ وبالتالي إلى انخفاض معدلات ثقة المغاربة في هذه الحكومة التي أصبح لزاما عليها، ضرورة مواصلة الإصلاحات الهيكلية بل ضرورة الإسراع في إصلاح تشريعات الشغل وتقويتها..