محمد فارس
يرى المؤرّخون أنّ أفدح خطإ ارتُكب في القرن [20] هو هجومُ [هتلر] على [روسيا] سنة [1941]، وأنّ ثاني أفْدح خطإ هو اجتياحُ [روسيا] لبلد اسمه [أفغانستان] سنة (1979)؛ وأنّ ثالثَ أفْدح خطإ هو اجتياحُ [صدّام حسين] لدولة [الكويت] سنة [1990]، وهي كلُّها أخطاء كانت لها تداعيات خطيرة على العالم، وكان من ورائِها مستبدّون يعتقدون أنّهم لا يُخْطئون، ومن خطّأَهُم أو انتقدهم كان مصيره القتل أو السّجن، ومَن يَدري، فقد يكون اجتياحُ [روسيا] لدولة [أوكرانيا] هو أفدحَ خطإ في القرن الحادي والعشرين.. و[روسيا] بشكل عام، تمرَّست بالاجتياحات في تاريخها، فقد اجتاحَت [هانغاريا] يعني [الـمَجَر] سنة (1956)، كما اجتاحت [تشيكوسلوفاكيا] سنة (1968) وهو ما سُمِّي [ربيع براغ]؛ كما غامرت بإرسال صواريخ نووية إلى [كوبا] سنة (1961) ممّا كان على وشْك أن يُحدِثَ حربًا عالمية وقْتَها لو لم يتراجعْ [كروتشوڤ] وهو ما أدّى إلى عزله إذا اعتُبِر ذلك إهانةً لروسيا الشيوعية آنذاك.. وهكذا، فمن لا يَفهم ولا يقرأ التّاريخ مُعَرضٌ دائمًا لارتكاب أخطائه مجدّدا..
واليوم، يعيد التاريخُ أحداثه بغزو [روسيا] لبلدٍ كان يعتبر جزءًا من [الاتّحاد السّوڤياتي] سابقا، وهو [أوكرانيا] ومنها بدأ مؤشّرُ انهيار الاتّحاد بعد فاجعة الـمُفاعِل النّووي [تشيرنوبيل] في [أوكرانيا]؛ و[روسيا] اليوم، يقودها ديكتاتور، تَرعْرع في أحضان الـمُخابرات السّوڤياتية وتَمرّس بخداعِها ومكْرها، فكان مختلفًا عن سلفه الذي مارس الدّعارةَ السّياسية، وكان يَلطُم على مؤخّرات الموظّفات، وكان يرقص على المنصّة ممّا كان يضحِك الرئيس الأمريكي [بيل كلينتون]، وكان ينزل من الطّائرة وهو سكران، ممّا جعَل مستشاره الخاص يقدّم استقالتَه، لأنّ [يلتسين] كان يُعطي صورةً لا تُشَرف بلادَه، ولكنّه قَرّبَ [بوتين]، ثمّ عيّنَه رئيسًا وأخذ منه وعدًا على الـمُحافظة على ثراء أسرته، فنفّذَ [بوتين] الوصية وأخْلَص لوعدِه، بل صار هو كذلك من أثرى أثرياء [روسيا] بعدما بادت [النّوموكلاتورا] السُّوڤياتية، وكلّما استقبل [بوتين] ثريًا، يسأله: ماذا فعلتَ من أجلي؟ وقد بلغت ثروة [بوتين] ما يناهز (100) مليار دولار، وصارت له أملاك وعقارات هنا وهناك، إلى جانب كَونه ديكتاتورًا لا يَلين، وهو يحكُم وحْدَه، ثمّ واحِد دائمًا على خطإ، ومن اثْنين تبدأ الحقيقة..
[بوتين] رجلٌ غيْر موثوق به نظرًا لديكتاتوريته ودمويته، فهو رجلٌ لا يُقيم وزنًا للحياة البشرية، ويسُوق المؤرّخون دليلاً على ذلك بموقفه من غَرق الغوّاصة الرّوسية [كورسك]، فرفض إعانةَ [السّويد] لإنقاذ البحّارة، وفضّل موتَهم غرقًا بدعوى الحفاظ على سرّية التيكنولوجيا الرّوسية؛ ثم يسوقون مثالاً آخر على دمويتِه، عندما تمّتْ عملية اختطاف لرهائنَ روس من بيْنهم أطفال، فلم يدّخِر [بوتين] وسْعًا في قتل الخاطفين والمخطوفين ممّا يدعو للرّثاء، وهو ما تساءل عنه مفكِّرون ومؤرّخون: هل بلغ الأمرُ بالرّئيس [بوتين] ألاّ يُلْقي بالاً للإنسان وحياتِه؟ جاء هذا في [مَوسوعة الحروب] الصّفحة: (498). ثم لا ننسى موقف [روسيا] من مساندة الصِّرب الصّليبيين ومجازرهم في حقّ المسلمين في [البوسنة والهرسك]، وما زالت الكشوفات عن الفظائع المرتكبة، وأفظعُها المقابرُ الثلاث مئة التي وُجدَت فيها آلاف الجثث قُتِلَت بكل فنون الغدر والخساسة..
ثمّ ماذا؟ [الشّيشان]، شعب مسلم، أصلُ موْطنه السّفوحُ الشّمالية لوسط جبال القوقاز في جمهورية [روسيا] من الاتّحاد السّوڤياتي السابق.. كان الشعب ثائرًا أيام [روسيا] القيصرية، وحين جاءتِ الشّيوعية، حاربَ الشيشانُ محاربةً باسلة، لكن حُلَّت هذه الجمهورية بذريعة تعاوُن أهلها من النّازيين وأُعيدَ توطينُهم في جهات أخرى.. ولـمّا سقط [الاتّحاد السّوڤياتي] مدّت الأزمةُ الشّيشانيةُ بذراعيْها، فكانتِ الثّورة في عهد [بوريس يلتسين] الذي حاول احتواءَ الأزمة، لكن بعْد وفاة [جوْهر دودايِيڤْ]، حاولتْ [روسيا] خلْق وَضْع جديد، يقضي بأن يكونَ ثمّةَ من يُمثّل [الشّيشان] ويرضخ لمطالب [موسكو]، وقد استطاعت [روسيا] أن تتوغّل في الأراضي الشّيشانية، وحدَّتْ من المقاومة الشّيشانية، ولكنّ الذي استطاع تشكيلَ زُمْرة خائنة تدَّعي قيادةَ الشّيشان هو [بوتين] الـمُخادِع، والماكر، فالتفّ حوْله خونة يَدّعون الإسلام، والإسلامُ منهم براء، وأنتَ تراهم الآن يقاتلون إلى جانب [روسيا] في [أوكرانيا]، ثمّ ما الفرقُ عند المسلم الصّادِق بيْن [روسيا] الصّليبية و[أوكرانيا] الصّهيونية؟ ما الفرقُ بيْن ما تقوم به [إسرائيل] في فلسطين المحتلّة، وبين ما يقوم به الرُّوسُ بقيادة [بوتين] في [سوريا] الجريحة؟ لذا تراني لا أتّخذ موقفًا إيجابيًا لا من [روسيا] الصّليبية، ولا من [أوكرانيا] الصّهيونية، والعنصرية؛ فحسبَ نظري كمغربي مسلم: دعِ الشّر يهلكُ الشَّر، وصدق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: [أهْلُ الكفر ملَّةٌ واحدة]، لكن نُرثي للأطفال الأبرياء وللشّيوخ والعزّل، فالإنسانُ إنْ لم يكُنْ لكَ أخًا في الدّين، فهو نظيرٌ لك في الخَلْق، وهذه قولةٌ للإمام [عليّ] كرّم الله وجْهَه، وما يحدُث الآن، قد يكون جزءًا من مَكْر التّاريخ ولا مستحيلَ في التّاريخ..