كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن مؤشرات متباينة في أداء مختلف القطاعات الإنتاجية خلال الفصل الأول من سنة 2025، مع توقعات باستمرار بعض الديناميات الإيجابية، خاصة في قطاع البناء، مقابل ضغوط متزايدة على قطاعات الصناعة التحويلية والاستخراجية.
ففي قطاع البناء، أبرزت نتائج البحوث الفصلية حول الظرفية الاقتصادية أن النشاط سجل انتعاشًا ملحوظًا خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام، مدفوعًا بارتفاع منتظر في أنشطة “الهندسة المدنية” و”أشغال البناء المتخصصة”، إلى جانب استقرار قطاع “تشييد المباني”. ويتوقع المهنيون استمرار هذا الزخم خلال الفصل الثاني، ما يعكس حركية واعدة في هذا القطاع الحيوي.
وذكرت المندوبية أن دفاتر الطلبات ظلت في مستويات عادية، بينما استقرت فرص الشغل، في حين بلغت نسبة استغلال طاقة الإنتاج 72%. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فقد أقرّت 27% من المقاولات بأن وضعيتها المالية صعبة، في حين سجلت 11% منها صعوبات في التزود بالمواد الأولية، مما يكشف عن مفارقة بين الحيوية التشغيلية والضغوط التمويلية، تستدعي تدخلات داعمة في التسهيلات الائتمانية وتمويل الاستثمار.
أما قطاع الصناعة الاستخراجية، فقد اتجه في منحى تنازلي، حيث أشار أرباب المقاولات إلى انخفاض مرتقب في الإنتاج خلال الفصل الثاني من السنة، بسبب التراجع المتوقع في إنتاج الفوسفاط، دون تسجيل تغييرات بارزة على صعيد فرص الشغل.
وفي المقابل، تتوقع مقاولات قطاع الصناعة الطاقية نموا في الإنتاج، خصوصًا في أنشطة “إنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز والبخار”، غير أن هذه الدينامية قد لا تنعكس إيجابًا على التشغيل، إذ رجحت أغلب المقاولات انخفاض عدد المشتغلين خلال الفترة نفسها.
من جانب آخر، يُرتقب أن يشهد قطاع الصناعة البيئية استقرارا في الأداء، سواء على مستوى إنتاج “جمع ومعالجة وتوزيع الماء”، أو من حيث حجم اليد العاملة.
أما القطاع الصناعي التحويلي، فقد سجل أداءً متباينا خلال الفصل الأول من السنة الجارية، مع ارتفاع طفيف في الإنتاج بفضل تحسن أنشطة “الصناعة الكيماوية” و”الصناعة الغذائية” و”صنع المنتجات غير المعدنية”، في مقابل تراجع ملحوظ في “صناعة الملابس” و”صنع الأجهزة الكهربائية” و”منتجات المطاط والبلاستيك”. وبلغت نسبة استغلال الطاقة الإنتاجية في هذا القطاع 74%.
وسُجلت تحديات كبيرة في التموين بالمواد الأولية، إذ أكدت 37% من المقاولات أنها واجهت صعوبات في التزود، خاصة من الموردين الأجانب، وهو ما يثير تساؤلات حول تأثر سلاسل التوريد بالتقلبات الدولية. كما صرحت 23% من مقاولات الصناعة التحويلية بأن وضعيتها المالية صعبة، وهي النسبة التي بلغت 44% في قطاع “صناعة الجلد والأحذية”.
وتُظهر هذه المعطيات تضاربا واضحا بين الحركية الجزئية في بعض فروع الإنتاج، والتحديات البنيوية في التموين والتمويل، مما يتطلب تحركا سياسيا واقتصاديا لتقوية صمود المقاولات، خاصة في ظل استمرار الضغوط التضخمية وارتفاع كلفة المواد الخام.