بعد مصادقة المجلس الوزاري، المنعقد نهاية الأسبوع الماضي برئاسة جلالة الملك محمد السادس، على مشروع قانون قصد تغيير قانون الأحزاب السياسية، وضعت وزارة الداخلية المذكرة التقديمية لهذا المشروع، وتبين أن الهدف منه هو تخليق الحياة السياسية، التي لا يمكن أن تكون متخلّقة دون أحزاب يتوفر فيها الحد الأدنى من الأخلاق، ويبدأ التخليق من مواجهة ظاهرة الترحال السياسي، التي تشوه صورة المشهد السياسي بالمغرب وتنزع عنه قيمته.
ويمنح، مشروع القانون، التجريد من صفة عضو في مجلس النواب في حق كل نائب تخلى خلال مدة انتدابه عن الانتماء إلى الحزب السياسي الذي ترشح باسمه لعضوية المجلس.
هنا نحن أمام سلطة في يد رئيس الحزب أو قيادة الحزب. سلطة كسيف ذي حدين. من ناحية ستكون سلطة ضابطة وضامنة لاستقرار العمل السياسي داخل البرلمان، لكن قد يتم استعمالها بشكل تعسفي حيث تمارس القيادة الحزبية الشطط في حق كل برلماني لا يكون طوع بنانها، وبدل التخليق نكون في التخريق، بمعنى التجاوز غير القانوني للصلاحيات الموكولة للمؤسسة الحزبية.
القانون جاء لتعزيز آليات الضبط ومنع الترحال السياسي، الذي هو تعبير عن انعدام المبدئية ويحول السياسة إلى سوبير ماركت تباع فيه الذمم إلا ما كان منه عن خلاف حقيقي، لكن على المرتحل تحمل التبعات والتداعيات الناتجة عنه، فالمادة 20 من القانون التي تم تعديلها تنص على أنه لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء إلى الحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة.
والقانون ليس إخضاعا ولكن تعاقدا إذ من حق العضو أيضا أن ينسحب من المجموعة أو الفريق البرلماني وفق رغبته لكن بعد أن يخضع للشروط المنصوص عليها في القانون، والقانون لا يعدو أن يكون تنزيلا للدستور الذي نص في فصله 61 من الدستور على أنه “يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات أو الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها”.
لا يمكن أن تكون هناك حياة سياسية سليمة دون قانون ضابط، ولا يمكن أن نعيش الاستقرار السياسي دون حاكمية الدستور باعتباره الوثيقة الأسمى، التي يحتكم إليها الفرقاء عند كل خلاف أو اختلاف.
حقيقة إن مشروع القانون، الذي ستتم مناقشته بداية من الأسبوع المقبل بلجنة الداخلية بمجلس النواب، يمنح الأحزاب السياسية حصانة ضد القلاقل التي يمكن أن يحدثها بعض البرلمانيين، كما أنه ضامن للحكومة كي تحافظ على أغلبيتها دون خوف من أن يخرمها بضعة برلمانيين يفقدونها نصابها القانوني ووجودها ويطيحون بها إن أرادوا. لكن لا يمكن تطبيق القانون إن لم ترتفع الأحزاب السياسية إلى مستواه وفلسفته.