محمد فارس
هلَّلتْ بعض وسائل الإعلام المكتوبة منها والمرئية لِـما استشهد به علينا النّاطقُ باسم (جيش الاحتلال) المدعو [أفيخاي أَدْروعي]، وهو يردّد آيةَ: [وإنْ جنَحوا لِلسِّلم فاجْنح لها]، سورة [الأنفال]؛ الآية (61).. ومن هؤلاء السّذج مَنِ ادّعى أنّ [أَدْروعي] اكتشَف هذه الآية في القرآن الكريم، فأَثْنوا عليه، وصفّقوا له، حتى صار صديقًا مُقرّبًا وإنْ كان صُهْيونيًا ومُغْتَصبًا ومحتلاّ؛ ولكنّ المؤمن الحقيقي والمغربي الحرّ الأصيل،
لن يكونَ له الصّهيوني صديقًا أبدَ الدّهر، وليس في كتاب الله العزيز ما يبرّر ذلك أو يحثُّ عليه بأيِّ شكلٍ من الأشكال، فلا تجد أمّةً في التاريخ كلّه كانت محتلّة وأرضُها مغتصبة، فجنحتْ للسِّلم مع المغتصِب الـمُحْتلّ.. لم نَر الرّوسَ يَجنحون للسِّلم مع [نابليون] وهو يجتاح أرضهم، ويحْرق قراهُم، وينهب خيراتهم، ويقتل شعبهم.. لم نَرَ الڤيتْناميين يَجنحون للسِّلم مع الصّينيين، أو اليابانيين، أو الفرنسيين، أو الأمريكان.. لم نرَ المغاربةَ يجنحون للسّلم مع الصّليبيين في (وادي المخازن) أو خلال الاستعمار الفرنسي الغاشم؛ فالذين هَلّلوا للمدعو [أفيخاي أَدْروعي] وهو ينزَع الآيةَ من سِياقِها لتُعبِّر عمّا يريده، لا يتدبّرون القرآن، ولا يَنتبهون لما سَبقَ الآية، ولـمَا بعْدَها، وهو ما كانت تفعله [داعش] وهي توظّفُ آيات منسوخة، والمنسوخُ يَشمل فقط الأمرَ والنّهيَ في كتاب الله.. سأل [عليٌّ] كرّم الله وجهَه قاضيًا: [هل تَعْلم النّاسخ والمنسوخ؟]؛ قال القاضي: [لا، يا أمير المؤمنين]؛ فقال [عَلِيّ]: [هَلكْتَ وأَهْلكْتَ]؛ وكذلك قُلْ في ما يخصُّ هذه الآية التي استشهدَ بها الناطقُ باسم (جيش الاحتلال) فهو كَمن قرأ: [ويْلٌ للمصلّين] ثمّ سكت، وبذلك برَّرَ تركَ الصّلاة؛ الأمر نفسُه عندما قُرئَت: [وإنْ جنَحوا للسِّلم] لتبرير الجنوح وشَرعنَة الاستسلام..
قالوا بصوت فخيم: وقَع [أدْروعي] على هذه الآية التي تدعو للسّلام، ونحن نقول لهم: يا هؤلاء، هذه الآية أوّل مَنِ استعملها في خطابه، هو الرئيسُ الأمريكي [كلينتون] خلال حفل التّوقيع في (البيت الأبيض) بيْن [رابين] و[ياسر عرفات]، بحضور [بيريز] و[أبُو مازِن] و[كوزيريڤ] وزير خارجية (روسيا) في أوائل التّسعينيات، وإنْ كنتم لا تصدّقون، فالخطاب موثَّق بالصّوت والصورة، ولدي نسخةٌ منه؛ فما رَأيكُم؟ هذه الآية تأمر المسلمين بالجنوح للسّلم إذا كانوا منتصرين وألقى العدوُّ سلاحَه وجنحَ للسِّلم أولاً ورفع يديْه.. فالسُّورة التي وردتْ فيها هذه الآية، هي سورة [الأنفال]؛ وسورةُ (الأنفال) هي من أوائلِ ما نزلَ في [المدينة]، وكانت سورةُ [براءَة] من آخر القرآن نُزولاً؛ نَزلتْ بدون: (بِسْم الله الرحمان الرحيم)، وقد نَسختْ (124) آية، وقد نزلتْ بالسّيف كما قال الإمام [عليّ] كرّم الله وجهه، وكان الإسلام وَقْتَها قويّا؛ لذا، اختلفتِ السُّوَرُ المدَنية عنِ السُّور المكّية، والمدَني في القرآن الكريم، يَنسخ المكّيَ، وخاصّة ما تعلّقَ بالأمر والنّهي.. لقد حاصَر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حِصْنَ [خَيْبر]، ولـمّا جنَح اليهودُ للسّلم وفَتحوا بابَ الحصن، جنحَ الرسُول الكريمُ للسلم، ولم تُرَقْ دماء البتَّة.. لكن دَعْنا نرى ما سَبق هذه الآية، وما أتى بعدها: الآية (60) تقول بصيغة الأمر: [وأَعدُّوا لهم ما اسْتطعتُمْ من قوّةٍ وَمن رِباط الخَيْل، تُرْهبُون به عَدُوَّ الله وعَدوَّكم، وآخرين مِن دُونهم، لا تَعْلَمونهم، الله يَعْلَمُهم، وما تُنفِقون من شيء في سبيل الله يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تُظْلَمون]؛ [وَإِنْ جَنَحُوا للسِّلم، فاجْنحْ لها وَتَوكّلْ على الله، إنّه هو السَّميعُ العليم]؛ و[إنْ يُريدُوا أن يخْدَعوكَ، فإنّ حسْبكَ الله هو الذي أَيّدكَ بنصره، وبالمُؤْمنين].. فهؤلاء الذين يَنْزعون الآيةَ من سِياقِها، ألاَ يُريدون خداعَنا؟ أرأيتَ سَيِّدي القارئ الكريم، السِّياقَ الذي وردتْ فيه هذه الآية والّذي لا علاقةَ له بما يريدون بهدف تضليلنا؟ فالسّلام الذي يَدعُونَنا إليه، هو فسادٌ، وخنوعٌ، ومحضُ استسلام..
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: [بِالقُرآن تَضلّون]؛ وهو يعْني تأويل الآيات وتفسيرها بشكل خاطئ، وفَهْمِها بطريقة مُعوجَّة خدمةً لأهداف أعداء الله وأعداء المؤمنين، وما أكثَر هؤلاء في عالم الإعلام المضلِّل، والتّأويلات الخاطئة ونَزْع الآيات من سياقها لتضليل الصَّفوة إِنْ أمكَن.. وفي هذا السّياق، نقول للنّاطق الرسمي لـ(جيش الاحتلال) [أفيخاي أدْروعي] الذي يَستعمِل الآية في غيْر ما وردتْ فيه، نقول له: لا تَفْرح كثيرًا ولا تَطمئنّ لسَلامٍ مزعوم؛ فهذا السّلام هو مجرّد مُهادَنة، لأنّ الأمّةَ ضعيفة، والشّعوبَ العربية والإسلامية مفكّكَة، فهل كانت اتّفاقية (ستالين) التي نصّت على عدم الاعتداء مع (النّازية) اتّفاقية سلام؟ هل كانت اتّفاقية (أليكْساندَر) مع (نابليون) في (تلْسيت) اتّفاقيةَ سلام سنة (1208)؟ كلاَّ! بل كلّها كانت مجرّد مهادنة، لأنّ السّلامَ مع (النّازية) ومع (نابليون) كان مستحيلاً، وكذلك هو الأمرُ مع سليلتهم (الصّهيونية) الآن.. هل تعتقد يا [أَفيخاي]، يا [أَدْروعي] أنّ العَربي المسلم سيَنْسى من احتلّ أرضه، وقتل شعبَه، ودنّسَ مقدّساته، وقَتل أطفاله، وهدَم قُراه، ومارس رياضة قَصْف الحمام في مناضليه في كذا عاصمة؟ فالسّلام لن يكونَ إلاّ بقيام دولة (فلسطين)، وإزالة المستوطنات، مع الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة (فلسطين) مع إطلاق سَراح السّجناء والكفّ عن الكذب في إعلامكم تجاه العرب، وإلاّ ستحاربون أجيالاً وأجيالاً ولن تَنْعموا أبدًا بسلامٍ دائم وحقيقي..