حسناء زوان
كانت تمطر بقوة، والساعة تقترب من السادسة مساءا والشارع مكتظ عن آخره، المارة يهرولون في كل اتجاه، رغم إصرار الشرطي على توجيههم بصافرته والتلويح بيده في اتجاه ممر الراجلين، وعيناه “خارجة” تراقب كل الاتجاهات، حيث الحافلات، الدراجات النارية، “الكرارس.. الترامواي.. الطاكسيات”.
إني أتواجد في ساحة السراغنة بالبيضاء، كنت “حاصلة” أبحث عن سيارة أجرة تقلني الى منزلي، لم أجدها، بل رفض كل من استوقفته أن يوصلني الى بيتي والحجة “الطريق عامرة”، أخيرا أنقذتني إحدى الحافلات المتوجهة الى نفس وجهتي.
كانت مكتظة بالركاب، ومع ذلك ركبتها، لأنه لم يعد لدي أي خيار، إما أن أستقلها أو اضطر الى الانتظار، وقد يحل وقت الإفطار.
بصعوبة وجدت مكانا قرب أحدهم، أمسكت بالمقبض الحديدي تحسبا لتلك الرجات المفاجئة للحافلات.
كان الحر يجثم على الأنفاس، بالرغم من أن الجو كان ماطرا، رائحة العرق تثير التقزز، الكل ملتصق بالكل، لكن لأحد يأبه، لا بديل آخر، وإن وجد “كلشي عامر”، المهم “يوصل لدارو “.
في الحافلات للناس قدرة غريبة على التحمل، تحمل الزحام، تحمل الروائح الغريبة، تحمل جلافة بعض الركاب وتصرفاتهم التي لا تليق بشهر الصيام.
الكل يتحمل كي تمر الرحلة بسلام كما يرددون على مسامع بعضهم.
ولكي تمر هذه الرحلة على خير بالنسبة لي على الأقل، كان علي أن انسى أمر الزحام والعرق و”ريحة التقاشر”، وانتبه فقط لشيء ما استنفر جل حواسي، إذ أحسست في لحظة سهو مني أن يدا تتحس جانبي الأيسر، حيث توجد حقيبتي.
حسبت الأمر في البدء، سوء فهم بفعل الزحام، لكن سرعان ما عادت اليد الى “التبقشيش”، كان الرجل الذي وقفت بجانبه من “ولاد علي ..شفار”
نظر إلي أحد الركاب وطلب مني الجلوس بينما سيغادر الحافلة، وبدوره اللص نظر إليه نظرة حادة وكانه يلعن الحظ الذي اختطف منه ضحية ب”كامونها”، فيما كنت أبتسم في سري، حيث لو أنه علم ما في حقيبتي اليدوية لفر مني، شأني شأن أي مغربية في آخر الشهر، الحقيبة “زاوية …خاوية “.
توقفت الحافلة، فصعدت إحدى النساء ووقفت في نفس المكان الذي كنت فيه، فعرفت أنه لا محالة “ستبقشش” هي الأخرى، وهذا ما حدث فعلا، إذ لم تمر إلا دقائق قليلة حتى باشر اللص عملية “التقلاب والتبقشيش ” فيما كانت السيدة منشغلة بصغيرها، لاهية عما يحدث.
وماهي إلا ثوان حتى علا صوت المرأة، معلنة أنها تعرضت للسرقة، في ذاك الوقت كان اللص قد غير مكانه في الحافلة وقفز خارجها في أول محطة وقوف.
تعالت أصوات الركاب، والغريب أني لست وحدي من أدرك أن الرجل لص، بل كثيرون غيري، لكنهم فضلوا التزام الصمت حتى غادر الحافلة، ثم تكلموا وعبروا عن سخطهم ومعاناتهم بشكل يومي مع من أسموهم ب “ولاد علي”
فيما قال أحدهم مستنكرا تذمر الركاب “مينين جاو هاذ الشفارة من الشينوة… راهم ولادكم.. “.
سكت البعض وابتسم آخر وبقيت المرأة تندب حظها بعدما ضاعت منها كل نقودها.