يعود مفهوم الحزب السياسي ليطفو على السطح من جديد، خلال المشاورات التي تجري لتشكيل الأغلبية ثم الحكومة واقتراح وزرائها من قبل رئيس الحكومة وتعيينها من قبل جلالة الملك وتنصيبها من قبل البرلمان، لأن بعض الأحزاب السياسية نسيت دور الحزب وأصبحت عيونها تتطلع فقط لاقتسام مناصب وزارية، وهذا أمر خطير على الديمقراطية في المغرب.
فالمغرب حسم أمره باكرا، وبعيد الاستقلال واجه فكرة الحزب الواحد والوحيد، الذي حاولت أطراف في الحركة الوطنية ترسيخه، ورغم أنه كان لكل طرف اعتباراته والسياق الذي طرح فيه مفهومه للعمل السياسي، غير أن المغرب اختار التعددية السياسية والحزبية، ورفض النمط الواحد في تدبير الشأن العام، وينبغي التشديد هنا على أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ولد من هذا المنطلق وكان عامل توازن كبير في المشهد السياسي.
فالحزب السياسي ومنذ دستور 1962 وهو يجسد القوة التنظيمية للمواطنين، التي تحتضن تعبيراتهم، وبواسطته يتم تجسيدها في برامج سياسية ومطالب اجتماعية، لكن بعد دستور 2011 أصبح للحزب دور أكبر وأخطر أيضا، باعتبار أن الحكومة التي تتشكل من مجموعة من أحزاب سياسية أصبحت لها صلاحيات واسعة، وتم تمكينها من أدوات تنفيذ كبيرة وبالتالي فالحزب الذي يقودها والذي يشارك فيها له دور كبير ومحوري.
لكن الذي ينبغي التأكيد عليه أن دور الحزب المشارك في الحكومة لا يعلو على دور الحزب الذي يوجد في المعارضة، التي خولها الدستور أدوارا مهمة، ومن شدة أهميتها خصص لها الفصول الأولى من الدستور قبل أي شيء آخر، بما يعني أنه لا يمكن أن تكون الحكومة قوية في غياب معارضة جدية قادرة على مراقبة العمل الحكومي، وكما قلنا سابقا فإن الأغلبية الحكومية هي نفسها الأغلبية البرلمانية، وهذا ما أثاره موريس دو فيرجي، الخبير في الفقه الدستوري، الذي درّس في المغرب طويلا في بداية الاستقلال.
هذا التماهي يجعل من المعارضة ركيزة فصل السلط باعتبارها الوحيدة القادرة على مراقبة العمل الحكومي واشتغال الوزراء، لكن للأسف الشديد كل الأحزاب اليوم تريد الدخول إلى الحكومة لأن فيها منافع للأتباع. وليس دور الحزب أن يجلب المنافع لأنه ليس شركة.
دور الحزب هو تكوين النخب وإنتاجها وعندما يحين دورها تكون قادرة على تسيير شؤون البلاد ولما تكن في المعارضة تكون قادرة على مواجهة الحكومة، وما يقوم به اليوم بعض الأحزاب مؤسف للغاية، بل وصل الأمر بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يقول في بيان مجلسه الوطني “إن الهدف الأساس لمشاركتنا في الانتخابات الأخيرة كان هو تحقيق شعار: “المغرب أولا، تناوب جديد بأفق اجتماعي ديمقراطي” بهدف أن نرافق المرحلة الجديدة لتفعيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد من موقع الأغلبية الحكومية”.
فكل الأحزاب تريد مرافقة النموذج التنموي لكن برؤيتها وبرنامجها وأدواتها. وحماية للنموذج التنموي فالمغرب في حاجة إلى معارضة قوية.