سناء البوعزاوي
لا يختلف إثنان عن تعريف الأم ؛ هي منجم من العطف و الحنان والبركة ، هي كل الحياة ،هي نصف المجتمع ومهمتها تربية النصف الآخر، فالرجل ليست مهمته تربية الإبن بل مهمته اختيار المرأة الصالحة ،فما صلح بيت إلا فيه امرأة صالحة ، و ما فسد بيت إلا و فيه امرأة فاسدة و إن كان رب البيت نبيا.
و في هاذا الصدد قد تتساءل الأمهات كثيرا عن الوسائل و الطرق التي تقربها أكثر من أبنائها و خصوصا البنات فترة البلوغ ؛التي هي أقسى مرحلة تعيشها الفتاة حيث أنه من الطبيعي أن كل أم تغمر إبنتها بحسب رؤيتها لها كطفلة ، أكثر من رؤيتها كفتاة تلتمس الطريق نحو الحياة بحلوها و مرها ، لكن عندما تنضج البنت و تكبر ، ترفض في قرارة نفسها أن تعامل كطفلة ، لهاذا تراها تتوجه في أغلب الأحيان إلى أقرب صديقاتها ،واضعة كل الثقة في نصائحها و إرشاداتها التي تكون في أغلب الأحيان خاطئة و في أحيان أخرى مدمرة لا قدر الله ، لأن تلك الصديقة تكون في نفس المرحلة العمرية وهي نفسها في حاجة إلى تقويم و إرشاد و نصيحة .
ومن هنا فإن على كل أم أن تعرف كيف تحاكي ابنتها، و تعرف كيفية مراعاة شعورها ، لأن الأم وحدها الصديقة الحقيقية لابنتها.
لكن نعمة الصداقة بين الأم و فتاتها ،قد تتحول إلى نقمة إذا ما استهلكت و استعملت بالشكل الخاطئ،
لأن الصداقة في منظور الطفلة أو الشابة هي علاقة متساوية و متوازية ، قد تغفل البنت خلالها عن مفهوم الإحترام الواجب اتجاه أمها و تبدأ في معاملتها كأنها فعلا صديقتها وندتها و تعطي لنفسها حقا و أحقية للتعامل بشيء فيه انصهار تام لمكانة الأم و قدسيتها .
لذا و كما يقول المثل ؛لكل مقام مقال ، و يجب إعطاء كل ذي حق حقه فالأم ، تبقى أما بكل ما تحمله الكلمة من معنى و البنت تكون بنتا لها حقوق على والديها ولها واجبات وخطوط حمراء لا يجب تجاوزها . فالمرأة تصبح صديقة بنتها حتى تصبح امرأة مثلها ، بمعنى أصح و أدق ، حتى تبلغ البنت سن الرشد و تكون هي الأخرى مؤهلة للزواج ، أو لإنجاب الأولاد ، أو ولوج سوق الشغل ، ففي هاته الفترة بالذات تكون الشابة قد تحولت من مرحلة الطيش و التهور إلى مرحلة المسؤولية و الرزانة والإتزان الأخلاقي و النفسي .
عندما تصل إلى هاذه المرحلة يمكن أن تقول الأم أنها صديقة ابنتها ، وبدورها البنت تقول أو بالأحرى تحس أن لها صديقة موثوق منها ألا و هي أمها، لأن ما من مخلوق على الوجود سيحبك ، و يخاف عليك ويقتسم آلامك أكثر من أمك ، لذا وجب علينا في مقالنا هاذا، أن نشير إلى الغلط ، أو الخطأ الذي تقع فيه معظم النساء و الأمهات باتخاذهن بناتهن صديقات، في عمر لا يستحمل أن تتلاعب بمشاعرهن الرهيفة و نفسيتهن المتقلبة. لأن الشابة في عمر الثانية عشر حتى الثامنة عشر ، إذا أكدت لها الأم بطريقة أو بأخرى و بصريح العبارة أنهما صديقات ، فلتكن متأكدة أن ابنتها ستتعامل معها فعلا كصديقة ، حيث لن تتحمل انتقادها ، زجرها أو تأديبها وممكن أن تتطاول على حاجياتها الخاصة لأن بالنسبة إليها هي شخص مقرب و حميمي،لاغية كل الحدود التي تكون مرسومة طبيعيا بين الأم و فلذة كبدها ، فتصبحهاته التربية المعاصرة تشوبها بعض التجاوزات و بعض خروقات النظام الداخلي للبيت
هنا يجب أن يستوقفنا ، تاريخنا و تربيتنا و أسسنا التي لا نحيد عنها ، لنضع أصبعنا على هفوات و فجوات التربية التي تقدمها لنا بعض البرامج تحت غطاء التربية المعاصرة ، فننقذ بذلك أنفسنا و بيوتنا من نوع من أنواع العقوق.
فتلخيصا لكل ما قلناهمن الواجب على كل أم أن تحافظ على مكانتها التي بوأها إياها الرب سبحانه ، و استشعار عظمة حنانها و رحمتها و ما تحملته من مشاق الحمل و الولادة و الإرضاع و التربية ، وتقدير كل الظروف التي تمر بها لإرضاء أبنائها و تحقيقها على قدر الإمكان كل مبتغياتهم و متطلباتهم ، وخوفها عليهم الذي يجعلها في بعض الأحيان تقسوا عليهم ؛فكما قال الشاعر، وقسى ليزدجروا… ومن يكن راحما فليقس أحيانا على من يرحم .
فلن نسمح إذن ، لهذا النوع من التربية أن يدمر أفكارنا ، و عقائدنا حتى تصبح الأمة تلد ربتها ! فرب تربية صالحة ، سليمة ، معافاة من كل شوائب تعكر و تكدر صفو جو البيت خاصة و المجتمع المغربي عامة .