ما حدث مع محمد زيان، نقيب المحامين الأسبق بالرباط، مؤسف من وجهين، أن الرجل مُحامٍ منذ أكثر من نصف قرن وبالتالي خبر القانون ومنعرجاته، وثانيا فإن الرجل كان وزيرا وقريبا من دوائر القرار ومحاميا للحكومة، بمعنى يعرف كيف تدار الأمور، وبالتالي ما وقع من خرجات إعلامية كانت مسيئة للرجل قبل غيره من الناس والمؤسسات، وقد لا تكون مسيئة لأنهم يعرفون أن الرجل يبحث عن “البوز” لتحقيق أغراض شخصية، غير أن ما يقوم به يخلق الالتباس عند فئة من المتتبعين لا تعرف “من يكون زيان محامي الحكومة”.
ظاهرة أصبحت اليوم طافية على سطح هذه المياه غير الصافية، حيث كلما تم توقيف أو محاكمة شخصية عمومية إلا وانبرت مجموعة من الأشخاص والمنظمات لتربط ذلك بحرية التعبير المهددة، لكن المحاكمات والتقاضي ضرورة للوجود البشري ودونها سنأكل بعضنا البعض، ولا علاقة لمقاضاة شخص كيفما كان موقعه بحقه في التعبير، الذي ينبغي أن يبقى مصونا ومحترما ولا يمكن المساس به تحت أية ذريعة.
فمقاضاة زيان من قبل مؤسسة حكومة تبعا لتصريحاته الخطيرة واتهاماته لمؤسسة وطنية والمطالبة بحلها، وهي مؤسسة في أوج نجاحها في التصدي للعديد من الظواهر المهددة للأمن والاستقرار، ومع كامل الأسف فزيان كان وزيرا لحقوق الإنسان، وحينها لم تكن هذه المؤسسة بهذه القيمة الموجودة عليها اليوم ولا كان أسلوبها هو أسلوب اليوم، وحينها كان عليه أن يطالب بحلها أو إصلاحها.
كيف يقبل الرجل بمؤسسة لما كانت تفرض عليها الظروف سلوكا معينا، ويطالب بحلها عندما أصبحت مؤسسة مواطنة؟ ما معنى المطالبة بحل مؤسسة وطنية توجد في واجهة المعركة الوطنية والإقليمية والدولية ضد الإرهاب؟ ألا يعتبر ذلك دعما ومساندة للإرهاب؟
محمد زيان محامٍ معروف بالرباط وله باع طويل في الترافع واشتهر أثناء نيابته عن الحكومة في مواجهة محمد نوبير الأموي، الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في قضية تصريحه للصحيفة الإسبانية ووصف أعضاء الحكومة باللصوص. وشغل منصب نقيب المحامين، بمعنى إدارة شؤون المهنة.
طوال خمسين سنة ونيف كان الرجل ممارسا للمحاماة، وعاشر أجيالا من المهنيين، وعاصر تحولات وتغييرات على القانون، وصعد ونزل كما يقال، ودافع بشراسة عن موكليه، وعدد كبير منهم نال حقه عن طريق القانون، الذي يطعن فيه اليوم، فهل يستطيع زيان أن ينكر اليوم أن موكليه في غالبيتهم نالوا حقوقهم، وأن الدعاوى التي خسرها هي التي كان أصحابها معتدين، فلماذا لم ينتفض حينها ويصرخ بالويل والثبور أن حقوق الناس ضائعة.
لم يفهم زيان أن الزمن عامل حاسم في الوجود، ففي المحاماة ذهبت أجيال وجاءت أخرى، وفي السياسة لم يبق من رفقائه سوى الذكريات، ويقول المغاربة “من أكل حقه يغمض عينيه” فما بالك من أكل أكثر من حقه؟ ألم يكن حريا به أن يرجع إلى الوراء كحكيم يقدم النصائح للأجيال الجديدة.