قد تضيع أساليب الممارسة السياسة وسط التيه و فقان الإحساس المسؤولية الوطنية، وتحتل مفاهيم الميكيافييلية على العقول وتسيطر على المخططات، وتحول السياسي المسؤول الى آلة لصنع الخطط و الألاعيب عوض وضع الاستراتيجيات و البرامج و اقتراح المبادرات الإيجابية للخروج من الأزمات أو إصلاح القطاعات، وهنا نلحظ أن هدر الزمن السياسي يضيع في المناوشات و الصراعات و الجدال و المكائد و الحيل…. و تتحول المؤسسات المنتخبة الى صالات للقمار و أوكار لصنع الخطط للإطاحة بهذا و طرد داك و إضعاف هذه الجهة تقوية تلك الجهة…
وأمام هذه المشاهد السياسية المقرفة، تضيع بدورها المعارضة بين البناءة و الإيجابية و القوة الاقتراحية ، حيث لازال القاموس السياسي يخلو من مثل هذه المصطلحات وبالتالي فإنها مفاهيم لم تطبق لحد الآن في الواقع العملي، واعتقد أن السبب في كل ذلك يعود إلى غياب الديمقراطية، لا شك ان نوايا قوى الأإلبية و المعارضة وتطلعها إلى الاستحواذ على السلطة ، أدى إلى وجود الروح العدائية في العلاقة بين طرفي المعادلة ، وهذا ما أدى إلى فقدان الثقة بين الأغلبية والمعارضة وأصبح المبدأ السائد هو إن لم تكن معي فأنت ضدي.
واعتقد أن مثل هذه المفاهيم هي مفاهيم لازالت في دور المراهقة السياسية إن لم تكن في مرحلة الرضاعة وبالتالي لابد من السعي إلى محاولة إنضاج هذه المفاهيم لدى الأغلبية ولدى المعارضة على السواء ، فالارتقاء بصيغ عمل المعارضة وابتعادها عن وسائل العنف وقربها من الوسائل السلمية في إبداء معارضتها ، وسائل هامة للاقتراب من مفهوم المعارضة البناءة أو المعارضة الايجابية . كذلك فإن اللجوء إلى طرح برامج شاملة وكاملة ومتكاملة لحل الكثير من المشكلات التي تعترض عمل الطرفين وإبداء وجهات النظر في النقاط محل الخلاف بطريقة حضارية وعملية مبنية على الحجة والبرهان وسيلة هامة أيضاً من وسائل المعارضة الايجابية في إبداء معارضتها . ناهيك عن الأهمية القصوى للحوار الديمقراطي البناء بين كافة الأطراف وأهمية اللقاءات في توضيح غموض الأمور بدلاً من اللجوء إلى المكائد و الحيل… الشعب واختياره
وأي شخص يتم انتخابه هو محل ثقة واحترام ، وعليه فلابد ان يحترم ذلك، ومن داخل البرلمان تتشكل المعارضة البناءة التي تقوم بأداء دورها وإبداء النصح والإرشاد والتوجيه للحكومة . ومادام الحوار سيد الموقف فإن الحالة سوف تبقى صحية ومفيدة للجانبين ، أما إذا توقف الحوار فإن استعمال العقل يكون قد توقف واللجوء الى الفكر المغلق و لعدمي يسيطر حينها…
لابذ ان نستخلص الحكومة الدروس من تجارب الآخرين، وأن ترتقي الأغلبية أيضاً في التعامل مع المعارضة باعتبار أنها ليست خصماً وإنما شريك كامل في عملية البناء والإصلاح وأنها بالتالي تمثل رأياً آخر يجب احترامه.