في مشهد سياسي تتداخل فيه خيوط المأزق الدستوري مع ارتباك التحالفات المعارضة، خرج حزب العدالة والتنمية مساء الخميس 22 ماي بندوة صحفية تحولت إلى منصة لتشريح الوضع السياسي الراهن وفضح ما اعتبره قادته “تواطؤاً” ضد آليات الرقابة الدستورية. وفي نبرة تصعيدية، وجه عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، اتهامات صريحة للحكومة والمعارضة معاً، متهماً إياهما بإفشال مبادرة ملتمس الرقابة التي كان من شأنها – حسب قوله – أن تشكل لحظة فارقة في تاريخ الممارسة الديمقراطية بالمغرب.
و بدأ بنكيران مداخلته بمهاجمة الأداء الحكومي، معتبراً أن الحكومة الحالية لم تكتف بالفشل في تنفيذ برامجها، بل تجاوزت ذلك إلى “تجاهل المؤسسات الدستورية وتهميش البرلمان”، على حد قوله. وأضاف: “هذه الحكومة لا تستحق فقط الرحيل، بل ينبغي أن ترحل فوراً”.
وحذر بنكيران من خطورة تغييب الرقابة البرلمانية، مؤكداً أن “الظلم يبدأ حين تنهار آليات المراقبة، ويُفتح الباب أمام الفساد وخنق المواطن”. وشدد على أن إفشال ملتمس الرقابة تم بـ“تواطؤ مع بعض الأطراف في المعارضة”، في إشارة إلى انسحاب الفريق الاشتراكي من التنسيق حول المبادرة.
ولم يُخفِ بنكيران انزعاجه من هذا الانسحاب، قائلاً: “كيف يُعلن عن انسحاب قبل اجتماع المجلس الوطني؟ هل تتخذ المؤسسات قراراتها بأثر رجعي؟ هذا استخفاف لا يليق”. واعتبر أن ما جرى ليس فقط فشلاً تنظيمياً، بل يعكس “خللاً عميقاً في وعي النخبة السياسية بأدوارها ومسؤولياتها”.
وفي رسالة مباشرة إلى المواطنين، أكد بنكيران أن السياسة ليست ترفاً، بل تحدد مصير الأفراد في تفاصيل حياتهم اليومية، من تعليم وصحة وشغل وكرامة. وقال: “من يعتقد أن السياسة لا تعنيه، سيدفع الثمن باهظاً: غلاء، فقر، بطالة. لا حياة كريمة بدون مشاركة سياسية”.
من جانبه، أبرز إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أن ملتمس الرقابة لم يكن مجرد رد فعل ظرفي، بل “ضرورة دستورية أمام حكومة فشلت في التزاماتها الكبرى”. وأضاف: “حكومة أخلفت وعودها بعد أكثر من ثلاث سنوات من التنصيب، ولم تحقق أياً من أهدافها المركزية”.
وحذر الأزمي من مؤشرات أزمة سياسية وشيكة، قائلاً إن “ثقة المواطنين تتآكل، والاحتقان الاجتماعي في تصاعد مستمر”. واستعرض خمس محاور اعتبرها أبرز مظاهر فشل الحكومة، أبرزها: تدهور المؤشرات الاقتصادية، تفاقم العجز المالي والمديونية، تعثر الإصلاحات، تغييب الرقابة البرلمانية، وتنامي مؤشرات الفساد.
كما تحدث الأزمي عن ما وصفه بـ”التطبيع مع تضارب المصالح”، مشيراً إلى أن برلمانيين استفادوا من دعم حكومي في استيراد اللحوم، ومعتبراً أن ذلك “فضيحة سياسية وأخلاقية تستوجب المحاسبة”.
القيادي البرلماني عبد الله بوانو ألقى الضوء على ما وصفه بـ”المسار المعقد” لإعداد ملتمس الرقابة، كاشفاً عن تفاصيل لقاءات ومفاوضات بين مكونات المعارضة، خاصة الفريق الاشتراكي، قبل أن يتفاجأ الجميع بانسحاب مفاجئ وغير مبرر.
وقال بوانو إن الحزب تعامل بمرونة، بل اقترح حلولاً عديدة لإنجاح المبادرة، من بينها إجراء قرعة لاختيار من سيقدم الملتمس، غير أن “كل شيء انهار قبل 48 ساعة من الاجتماع الحاسم، بإعلان تعليق التنسيق في بلاغ صدر قبل انعقاد المجلس الوطني”.
واعتبر بوانو أن هذا التصرف “أضعف المعارضة ووجه ضربة لمصداقيتها أمام الرأي العام”، مضيفاً أن التبريرات المقدمة لا تصمد أمام الوقائع، خاصة أن توقيت البلاغ سبق انعقاد المجلس الوطني بيوم كامل.
ما كشفه قادة “العدالة والتنمية” لا يعكس فقط صراعات داخل أروقة البرلمان، بل يشير إلى أزمة أعمق في بنية العمل الحزبي والمعارضة. فبين اتهامات للحكومة بـ”تدجين المؤسسات” وتخلي المعارضة عن دورها الرقابي، يطرح المشهد السياسي المغربي تساؤلات حرجة: هل ما يزال للبرلمان قدرة فعلية على مراقبة السلطة التنفيذية؟ وهل تعبر المعارضة فعلاً عن نبض الشارع أم أن منطق التموقع السياسي بات هو المحرك الرئيسي لقراراتها؟
الرسائل التي وجهها بنكيران والأزمي وبوانو تتجاوز الخطاب الحزبي التقليدي، لتضعنا أمام لحظة محاسبة سياسية ومؤسساتية، قد تشكل بداية إعادة نظر في موازين القوة داخل المشهد السياسي المغربي، أو تكشف فقط عن فشل النخب في بناء تحالفات صلبة تواكب تطلعات المواطنين.
وفي ختام ندوته، أطلق بنكيران تحذيراً شديد اللهجة، قائلاً: “نحن لم نخسر شيئاً. قمنا بواجبنا، وسنواصل مواجهة السياسات الظالمة. أما الاستسلام، فليس خياراً، لأنه أول طريق النهاية”.