في تقرير صادم، كشفت المنظمة الدولية للهجرة عن تسجيل المغرب لمئات الوفيات في صفوف المهاجرين غير النظاميين خلال سنة 2024، في وقت لا تزال فيه عشرات الأسر المغربية تترقب بقلق مصير أبنائها المفقودين أثناء محاولاتهم عبور البحر بحثاً عن واقع أفضل.
و رصد التقرير ظاهرة متفاقمة لم تعد تقتصر على دول النزاع أو الهشاشة القصوى، بل أصبحت تشمل بلداناً تشهد استقراراً نسبياً، مثل المغرب.
و بحسب التقرير الأممي، لقي ما لا يقل عن 48 مغربياً حتفهم أثناء محاولاتهم الهجرة غير النظامية خلال السنة الجارية، في حين بلغ عدد الوفيات والمفقودين على طريق الهجرة من المغرب إلى إسبانيا 198 حالة، مقارنة بـ67 حالة فقط في 2023، و74 في 2022، ما يكشف عن تضاعف خطير في الحصيلة خلال فترة زمنية وجيزة.
وتوزعت هذه الحوادث بين الطرق البحرية والبرية، حيث سجلت حالات غرق بالقرب من السواحل المتوسطية للمغرب، مثل سواحل الناظور وطنجة وسبتة، إضافة إلى 75 حالة تم الإبلاغ عنها بسواحل القنيطرة، ما يؤشر إلى تحول بعض النقاط الساحلية الأقل مراقبة إلى محاور انطلاق رئيسية للهجرة.
أما الطريق نحو جزر الكناري، الذي بات يُعد بديلاً “أشد خطورة”، فقد شهد 1166 حالة وفاة خلال عام 2024 فقط، وهو أعلى رقم يُسجل منذ بدأ توثيق هذه الظاهرة. من هذه الحالات، تم رصد 138 وفاة في المغرب، رغم أن غالبية الضحايا لا تُعرف هوياتهم بسبب تحلل الجثث أو عدم انتشالها.
بطالة مستفحلة وفشل السياسات الحكومة
في خلفية هذه الكارثة الإنسانية، تقف أسباب اجتماعية واقتصادية معقدة. يعاني الشباب المغربي من نسب بطالة مرتفعة بلغت حسب المندوبية السامية للتخطيط في المغرب أكثر من 30% في صفوف خريجي الجامعات، وما يفوق 45% بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، وهي فئة عمرية تشكل العمود الفقري للظاهرة.
ورغم الوعود التي أطلقتها حكومة عزيز أخنوش منذ توليها المسؤولية سنة 2021، بتحسين الوضع الاقتصادي وخلق مناصب شغل، إلا أن نتائج هذه السياسات لم تُترجم فعلياً على أرض الواقع. بل زادت حدّة الأزمة الاقتصادية بفعل التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية، مما زاد من منسوب الإحباط في أوساط الشباب ودفع الكثير منهم إلى المخاطرة بأرواحهم في مغامرات .
تقرير المنظمة الدولية للهجرة وجّه انتقادات ضمنية للسياسات الأمنية المعتمدة، معتبراً أن عسكرة الحدود وغياب قنوات قانونية للهجرة “تدفع المهاجرين إلى اللجوء لأشد الطرق خطورة”، في إشارة إلى سواحل المغرب التي باتت شاهداً يومياً على مآسي إنسانية متكررة.
وحث التقرير السلطات المغربية على تعزيز قدرات الطب الشرعي للتعرف على جثث الضحايا، وضمان معاملة رفاتهم بكرامة، في وقت تشتكي فيه أسر الضحايا من غياب آليات فعالة للتتبع أو الدعم النفسي.
في ظل انسداد الأفق وغياب سياسات اجتماعية فعالة، يجد الكثير من الشباب المغربي أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ: الغرق في البحر أو الانتحار البطيء في الداخل عبر البطالة والتهميش. وتبقى مأساة الهجرة الجماعية، خصوصاً من المدن الصغيرة والقرى، مرآة عاكسة لحجم الفشل التنموي الذي لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تجاوزه.
فهل تكتفي السلطات المغربية بالتنديد والوعود، أم أن هذه الأرقام الكارثية ستكون ناقوس خطر حقيقياً يدفع نحو إعادة النظر في أولويات السياسات الاقتصادية والاجتماعية؟