أعلنت أمس الأربعاء ثلاثة أحزاب تشكيل تحالف لتشكيل الحكومة المقبلة. لا يمكن لأحد أن يفرض على الآخر مع من يتحالف والصيغة التي يريد أن يمارس بها السياسة، لكن الذي يراقب ويهمه الأمر يرى الأمور بمنظار آخر. كما نشير إلى أن التجمع هنا نقصد به الترويكا التي تشكل الأغلبية المقبلة.
لقد حارب المغرب الحزب الوحيد ومن أجل ذلك رفع بعض المقاومين السلاح، واحتج قادة جيش التحرير، وكان حزب الاستقلال يسعى إلى هذا المخرج، وكان طبيعيا حينها أن كل الحركات التي قادت الشعوب نحو التحرر من الاستعمار هي التي تولت الحكم، لكن المغرب دائما كانت هناك ثورة الملك والشعب لهذا الحزب الوحيد لم يكن مقبولا في المغرب، رغم محاولة الحزب الذي يسمى بالحركة الوطنية وشعارها أي “الاستقلال”.
فحزب الاستقلال كان تجمعا للوطنيين من مختلف مشاربهم فيهم الحداثي والتقليدي واليساري والمخزني، لكن فكرة حزب وحيد لم ترق للمغاربة ولهذا جاء ظهير 1958، الذي حرم الهيمنة الحزبية وأقر التعددية كخيار سياسي مغربي بغض النظر عن تطبيقاته على أرض الواقع، ولهذا أصبح تأسيس الأحزاب السياسية متاحا لجميع المغاربة.
كما تجدر الإشارة إلى أن التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود اليوم أكبر تجمع للمصالح الكبرى، ليس هو التجمع الذي تأسس على عهد أحمد عصمان، أطال الله في عمره، حيث أراده الملك الحسن الثاني، وهو صاحب الفكرة، أن يكون حاضنة سياسية لمجموعة من الأطر، التي لم تجد ذاتها في أحزاب المعارضة أو اليسار الراديكالي، لهذا جاء كمنبر لهؤلاء.
اليوم التجمع تغير بشكل كبير وانتقل من تجمع وطني للأحرار أي غير المتحزبين يتبنى الوسطية الاجتماعية، إلى حزب يدافع عن الليبرالية في صيغتها الأخيرة التي تخدم مصالح رجال الأعمال، وازداد عنفوان هذا التوجه مع الملياردير عزيز أخنوش.
الترويكا الأغلبية تضم ثلاثة أحزاب لكن في الحقيقة هي “تجمع المصالح الكبرى”. من حق أصحاب المصالح أن يدافعوا عن مصالحهم، لكن من حق الشعب أن يكون له صوت يدافع عنه تجاه تغول أصحاب المصالح.
ما يخيف اليوم هو أن الإنهاء مع الحزب الوحيد لم ينه مع التجمع الوحيد. فهذا الثلاثي يهيمن اليوم على الحكومة، ويهيمن على البرلمان، ويهيمن على الجهات، ويهيمن على المجالس الترابية وهو في طريق الهيمنة على مجالس العمالات والأقاليم، وطبيعي أن يهيمن على الغرفة الثانية باعتبار هيمنته على الغرف وعلى المجالس التي تفرز مجلس المستشارين.
هذا تجمع وحيد يدافع عن “مصالح كبرى” لكنه يهدد المصالح الصغرى، كما يهدد الحياة السياسية ويعيدها إلى سيرتها الأولى أي هيمنة الحزب الوحيد. ونقر بأن العيب ليس في هؤلاء ولكن العيب فيمن ساهم من قريب أو بعيد في تمهيد الطريق لهذه الهيمنة وبشكل كبير ومستفز ومضر بالحياة السياسية والذي ستكون تكلفته الاجتماعية كبيرة جدا.