بعرض راقص هزلي انقسم الجمهور في التفاعل معه، انطلقت مساء السبت الدورة التاسعة والسبعون لمهرجان أفينيون المسرحي الفرنسي التي تحتفي بالثقافة العربية وتواكب ببرنامجها تطورات الساعة، فتتوقف عند محاكمة “اغتصابات مازان” في فرنسا، وتعبر عن الدعم للشعب الفلسطيني وللكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال.
واستهل هذا الحدث المسرحي الدولي البارز في جنوب فرنسا في قاعة الشرف بقصر الباباوات بعرض “نوت” لمصممة الرقصات مارلين مونتيرو فريتاس من الرأس الأخضر، وهو عمل فني ضم ثمانية راقصين وموسيقيين.
بأقنعة واسعة العينين، وفساتين وجوارب سوداء، ومآزر بيضاء، راح الفنانون في هذا العرض الغريب يقل دون دمى آلية ومهرجين مصغ رين، في مشهدية هزلية رأى فيها البعض استحضارا لمناخ الرأس الأخضر الكرنفالي العزيز على فريتاس، فيما وصفه البعض الآخر بهذيان حالم مستوحى من حكايات “ألف ليلة وليلة”، على ما سبق أن عر فت عنه مصممة الرقص نفسها.
وتحر ك الراقصون على الخشبة على إيقاع مزيج من موسيقى “الزفاف” لسترافينسكي، وألحان الموسيقي الأسترالي نيك كيف، مع قرع وصافرات ومؤثرات صوتية، وضخ ضباب الدخان.
وقوبل العرض بتفاعل متفاوت من الجمهور، إذ غادر بعضه الصالة باكرا، وعب ر آخرون عن موقفهم بصيحات الاستهجان، فيما أعلن قسم ثالث إعجابه بالتصفيق.
وترافق انطلاق الدورة برسالة “تضامن مع الشعب الفلسطيني” وق عها 26 من الفنانين المشاركين ومدير المهرجان تياغو رودريغيز، ونشرتها مجلة “تيليراما” الثقافية الفرنسية.
وكتب هؤلاء: “نحن النساء والرجال من العاملين في قطاع الفنون الأدائية والمجتمعين في أفينيون (…) نطالب بإنهاء المذبحة الجماعية المستمرة التي أودت بعدد هائل من الأطفال. وندين السياسات التدميرية لدولة إسرائيل”.
وتحظى هذه الرسالة بدعم عدد من أبرز مديري المسارح الفرنسية، كإيمانويل دومارسي-موتا (مسرح “تياتر دو لا فيل ” في باريس) وكارولين غويلا نغوين (المسرح الوطني في ستراسبورغ) وجوليان غوسلان (مسرح أوديون في باريس).
بعد تخصيص حيز أساسي من نسخة 2023 للغة الإنكليزية، وللإسبانية في 2024، اختار مدير الحدث تياغو رودريغيز اللغة العربية لتكون ضيفة مهرجان أفينيون هذا العام، لكي يشارك الجمهور “ثراء تراثها وتنوع إبداعها المعاصر”.
وبذلك، سيثري نحو 15 فنانا، معظمهم من مصممي الرقص والموسيقيين، نسخة هذا العام من الحدث الذي ي فرد حيزا مهما في الأصل للرقص.
ودعا رودريغيز الجمهور إلى “الاستمتاع بالجمال والفرح والشعر معا” وإلى “فتح أعيننا على المشاكل (…) والظلم وعدم المساواة في العالم”.
وكان رودريغيز نشر على إنستغرام الأربعاء نصا بعنوان “مهرجان أفينيون يبدأ بينما تستمر المجزرة في غزة”.
وقال “تواصل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة هجماتها على غزة، مرتكبة جرائم حرب ومانعة المساعدات الإنسانية ومنتهكة بشكل ممنهج حقوق الإنسان والقانون الدولي، ومتسببة في مقتل عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم آلاف الأطفال”.
وأعرب عن رغبته في بناء “عالم ت قام فيه المهرجانات من جديد في غزة بسلام وحرية”.
ومن أبرز الفعاليات المرتقبة، في 18 يوليوز، أمسية ستتلى فيها مقتطفات مما ي سمى بمحاكمة “اغتصابات مازان” لجيزيل بيليكو، الفرنسية التي كان يخدرها زوجها لسنوات قبل تسليمها لغرباء بغاية اغتصابها.
من المتوقع أن يكون لهذا العمل الفني من توقيع ميلو رو تأثير خاص، نظرا لكون هذه المحاكمة التي أثارت اهتماما إعلاميا عالميا قد ع قدت في أفينيون بين شتنبر ودجنبر 2024.
ولاحظ تياغو رودريغيز في حديث لإذاعة “فرانس كولتور” أن الكاتب البالغ 80 عاما “مسجون بسبب أفكاره”، معتبرا أنه أمر “غير مقبول”.
تأسس مهرجان أفينيون المسرحي، وهو الأشهر من نوعه في العالم إلى جانب مهرجان إدنبره، عام 1947 على يد جان فيلار. وتحو ل فعالياته مدينة الباباوات إلى مسرح عملاق في يوليوز من كل عام.
إلى جانب مهرجان In “إن”، تنطلق فعاليات “أوف” Off الموازية في أفينيون، أكبر سوق للفنون المسرحية في فرنسا، في حدث يضم حوالى 1700 عرض مسرحي.
لكن يحتفل بالمسرح فيما يمر هذا النشاط الثقافي الأساسي بفترة عصيبة في فرنسا، حيث تضررت الفعاليات الثقافية جراء تخفيضات متعددة في الميزانية.
ودعا اتحاد “سي جي تي سبيكتاكل” (“CGT Spectacle”)، النقابة الرائدة في قطاع الفنون المسرحية والتي ت طالب بـ”استقالة” وزيرة الثقافة رشيدة داتي منذ نهاية يونيو، الفنانين والفنيين إلى “رفض المشاركة في العروض إذا ما حضرت الوزيرة أو أي عضو آخر في حكومة (فرنسوا) بايرو”.
وقال نائب الأمين العام للاتحاد ماكسيم سيشو خلال تجمع شارك فيه عشرات الأشخاص أمام مبنى البلدية عصر السبت رافعين لافتة ك تب عليها “ثقافات في صراع”: “بما أن (الوزيرة) تحرمنا من الثقافة، فلنحرمها من كل شيء!”.
ولم تعلن الوزيرة داتي التي تجري جولة في المنطقة الأحد، أية زيارة لأفينيون.