أعادت المسيرة الاحتجاجية غير المسبوقة التي نظمتها ساكنة آيت بوكماز، التابعة لإقليم أزيلال، إلى الواجهة قضية التفاوتات المجالية وغياب العدالة الترابية في مناطق المغرب العميق، حيث لا تزال الخدمات العمومية الأساسية مطلبًا ملحًا بدل أن تكون حقًا مضمونًا.
الحدث، الذي استمر على مدى يومين واختُتم الخميس 10 يوليوز 2025، لم يمر دون أن يثير ردود فعل سياسية بارزة، كان أبرزها من الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، الذي اعتبر أن هذه المسيرة تمثل “تعبيرًا حيًّا عن تدهور المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة، ولعدد من المناطق الترابية المهمشة”.
وفي تدوينة له على حساباته الرسمية بمواقع التواصل، حمّل بنعبد الله الحكومة مسؤولية تصاعد مؤشرات الاحتقان، متهمًا إياها بـ”التعالي السياسي” و”الضعف التواصلي”، وبـ”تجاهل نبض المجتمع، ونداءات القوى الحية”، مضيفًا أن ما يقع اليوم هو ما سبق لحزبه أن نبه إليه منذ شهور، محذرًا من تداعياته الاجتماعية والسياسية على المدى القريب.
ووصف الأمين العام لحزب “الكتاب” مطالب سكان آيت بوكماز بـ”البسيطة والإنسانية”، مشيرًا إلى أنها لا تتجاوز الحد الأدنى من الحقوق، كربط الدواوير بشبكة الماء والكهرباء، توفير تغطية الهاتف والإنترنت، تأهيل البنية الصحية والتعليمية، وإلغاء رخص البناء في القرى النائية.
مسيرة آيت بوكماز التي انطلقت مشيًا على الأقدام في اتجاه ولاية بني ملال، ومرّت بمقر عمالة أزيلال، قادت إلى تفاعل فوري من طرف السلطات الإقليمية، حيث استقبل عامل الإقليم الوفد المحتج وتعهد بالاستجابة للمطالب. وهو ما جعل المسيرة تتوقف مؤقتًا في انتظار تنفيذ الالتزامات.
لكن هذا التفاعل لم يطمئن السياسيين المتابعين. فبنعبد الله دعا الحكومة إلى “التحلي بالتواضع وتحمل المسؤولية السياسية”، والتوقف عن “تسويق خطابات فضفاضة وشعارات جوفاء من قبيل الدولة الاجتماعية”، مؤكدًا أن الواقع الميداني لا يعكس أي أثر لهذه “الإنجازات غير الملموسة”.
ولعل ما يضفي على هذه الخطوة الاحتجاجية طابعًا استثنائيًا هو مشاركة رئيس جماعة تبانت، خالد تيكوكين، في قيادة المسيرة، في تعبير غير مألوف عن غياب استجابة الدولة للفاعلين المحليين، واضطرارهم للانضمام إلى المواطنين في الشارع، بدل الاكتفاء بالوسائل الإدارية التقليدية.
تضع هذه المسيرة الحكومة أمام اختبار عملي لشعار الدولة الاجتماعية الذي ترفعه منذ تشكيلها، حيث باتت مؤشرات الاحتقان تنبئ بتحولات عميقة في مزاج الشارع، وتزايد الحركات الاحتجاجية في المناطق المهمشة.