انتفضت نقابات وهيئات المجتمع المدني ومؤسسات دستورية في وجه الصمت الحكومي وغياب الإجراءات لوقف نزيف ضرب القدرة الشرائية للمغاربة، والإرتفاع المهول للأسعار بالرغم من عمليات المراقبة ومنع المضاربة والتلاعب بأثمان المنتوجات الغذائية، حيث دعت مجدد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل الحكومة إلى حماية القدرة الشرائية للمواطنين، والتدخل الفوري من أجل وضع حد للزيادة المهولة في أسعار المواد الأساسية والمحروقات، كما توعدت الحكومة بالخروج الى الشارع الأحد المقبل للاحتجاج.
وخرجت المجتمع المدني في حركة “معا” مؤكدا أن الصمت الحكومي أمام ارتفاع أصوات احتجاج المواطنين المغاربة على موجات الغلاء الفاحش، يؤكد ضعف مقاربة الحكومة وعدم اكتراثها بالحاجة الملحة في ظروف الأزمة لخطاب يطمئن المواطنين، ويكشف عن الإجراءات الاستثنائية المتخذة، كما دعا مجلس المنافسة، الفاعلين الاقتصاديين والجمعيات المهنية والنقابية الممثلة لهم، إلى التقيد بقانون حرية الأسعار والمنافسة في تحديد أسعار السلع والمنتوجات والخدمات.
وحمل المجلس الوطني للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الحكومة مسؤولية تنامي منسوب الاحتقان الذي تعرفه الساحة الاجتماعية، مشددا على ضرورة تأمين الحاجيات الوطنية من الطاقة البترولية واستئناف تكرير وتخزين البترول بمصفاة سامير، والتجاوب الايجابي مع مقترحات القوانين المقدمة من طرف المجموعة الكونفدرالية بمجلس المستشارين.
وعبرت الكونفدرالية في بلاغ أعقب اجتماع مجلسها الوطني، عن إدانتها ” الهجمة الشرسة على الحريات العامة والحريات النقابية، والاستمرار في مسلسل تسريح العمال والتضييق على العمل النقابي، داعية الى التعجيل بإطلاق سراح كافة معتقلي الحراكات الاجتماعية ومعتقلي الرأي، كما طالبت الحكومة بالحفاظ على مناصب الشغل وإرجاع المطرودين وتحمل مسؤوليتها في فرض احترام قانون الشغل، ووضع حد لكل الانتهاكات، كما دعت الكونفدرالية، الحكومة إلى “تنفيذ الالتزامات السابقة ” ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011″، ومعالجة مطالب القطاعات والمؤسسات العمومية عبر الحوار القطاعي، والتعاطي الإيجابي مع مطالب الطبقة العاملة في إطار حوار اجتماعي مؤسسي جاد ومسؤول يفضي إلى تعاقدات اجتماعية، ونتائج ملموسة تستجيب لتطلعات الطبقة العاملة وعموم المواطنين”.
وطالب المجلس الوطني للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الحكومة بـ” فتح ورش إصلاح ومراجعة القوانين المؤطرة للانتخابات المهنية، وسحب مشروع القانون التنظيمي للإضراب من مجلس النواب، وإحالة كل مشاريع القوانين ذات الطابع الاجتماعي على طاولة الحوار الاجتماعي من أجل التوافق حولها، ورفض كل المشاريع والمخططات الجاهزة التي ترمي إلى تكريس الهشاشة وخلق المرونة في عالم الشغل، وتستهدف المس بالمكتسبات تحت غطاء الإصلاح ” التقاعد، التعاقد، مدونة الشغل،”.
وأكدت النقابة على ضرورة التدخل من أجل تفعيل اللجان الإقليمية لفض نزاعات الشغل تحت رئاسة عمال الأقاليم كما تنص على ذلك مدونة الشغل، وشددت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على ضرورة عمل الحكومة على الإعفاء الضريبي لمعاشات المتقاعدين وتنفيذ قرار المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برفع المعاشات، وبالزيادة في معاشات الصندوق المغربي للتقاعد والتراجع عن الطريقة الجديدة المجحفة لإعادة تقييم المعاشات بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد مع ضرورة تمثيلية النقابات في مجلسه الإداري.
وأشارت الحركة “معا” في موقف عممته إلى أن الحكومة اعتمدت الاستمرار في تنزيل دعمها العادي، واختارت أن يتحمل المواطنون الجزء الأهم من ارتفاع الأسعار، وهو الاختيار الذي يحتاج شرطا مبدئيا يتجسد في ارتفاع الدخل الفردي السنوي، إلا أن هذا الشرط يغيب بالنسبة للمغاربة القابعين منذ أكثر من عقد في فخ الدخل المتوسط المنخفض .
وعبرت الحركة عن إدراكها أن ارتفاع أسعار المواد الأولية وخاصة المحروقات في السوق العالمية يؤدي بالضرورة إلى رفع الميزانية المخصصة لصندوق المقاصة في سبيل ضمان استمرار الدعم لغاز البوتان والسكر والدقيق، وإدراكها أيضا للظرف الدقيق الذي تمر منه المالية العمومية، لكن، ومقابل ذلك، أبرزت “معا” أن الخبراء والاقتصاديون وعموم المهتمين، يجمعون على أن تكلفة ارتفاع أسعار المحرقات لها أثر توسعي على باقي المواد الأساسية لتأثيرها في كلفة النقل، مما يؤدي إلى تفاقم موجة الغلاء وارتفاع مستويات تضخم الأسعار.
و دعت حركة معا إلى اعتماد دعم مباشر لصالح الفئات الأكثر تضررا من ارتفاع أسعار المحروقات، خاصة مهنيي قطاع النقل، وفرض رقابة على الوسطاء، وسياسة زجرية في حق المضاربين والمتلاعبين في الأسواق، واستفسرت الحركة عن مآل ملف التواطؤ السابق بين شركات المحروقات، داعية مجلس المنافسة إلى الاضطلاع بدوره كهيئة دستورية تحمي المنافسة وتمارس رقابتها على السوق في سبيل تفكيك الكارتيلات واللوبيات التي يخضع لها المواطن المغربي وفق منطوق القوانين الجاري بها العمل، و دعت “معا” الحكومة وشركات المحروقات إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية كمقاولات مواطنة، وتطبيق التزاماتها السابقة بخصوص تعزيز قدرات التخزين التي لا تتعدى حاليا مليون متر مكعب.
و أثارت الحركة ملف مصفاة لاسامير الذي عمر طويلا، وشكل نقطة حساسة أضعفت السياسة الطاقية للمغرب من خلال إلزامه باستيراد مشتقات البترول المكررة عوض النفط الخام، مع ما يشكله ذلك من عبء إضافي على الفاتورة الطاقية.
ونبهت الحركة إلى أن استمرار توقف هذه المحطة التي وفرت سابقا ما يناهز 70% من الحاجيات الوطنية، يتسبب في الموت البطيء لها وفي تآكل بنيتها التحتية الصناعية ويرفع كلفة إصلاحها مع توالي أشهر التجميد، داعية الحكومة إلى إيجاد حل سريع للمصفاة التي تملك طاقة تخزين لا يمكن استعمالها حاليا بالنظر للحجز القضائي عليها.
وشددت حركة معا على أن مراجعة السياسة الضريبية تشكل أولوية في الظرف الحالي، داعية إلى إلغاء كافة الإعفاءات الضريبية التي تناهز30 مليار درهم، مع تمكين القطاعات المتضررة بشكل فعلي من دعم مباشر، في أفق إلغائه بعد فترة انتقالية، و سيمكن هذا الإجراء الأخير، حسب الحركة، من توفير سيولة مهمة للمالية العمومية، ما سيتيح إمكانية تخفيف الضغط الضريبي على أسعار المحروقات وباقي المنتجات.
وشدد مجلس المنافسة “إن تحديد أسعار السلع والمنتوجات والخدمات يتم عن طريق آليات المنافسة الحرة باستثناء الحالات التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك، طبقا لأحكام المادة الثانية من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة”، وأضاف “تُمنع كافة الاتفاقيات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية أو التوجيهات التي يكون الغرض منها التأثير على تكوين الأسعار سواء عن طريق رفعها أو تخفيضها”.
و ذكر المجلس بمنع تحديد مشترك لـ”أسعار البيع بالجملة أو التقسيط، أو عن طريق تبادل المعلومات أو التنسيق بخصوص مستوى ونسبة ارتفاعها أو انخفاضها، أو تحديد مستوى هامش الربح المطبق، أو بخصوص التركيبة المكونة للأسعار أو تحديد سعر مرجعي أو بنية أسعار مرجعية موحدة بين مجموعة من الفاعلين أو ممارسة الادخار السري، بناء على مبادرة منهم أو تحت إشراف جمعيتهم المهنية أو النقابية”، وشدد على أن ارتكاب الأفعال والممارسات “المثارة في حال ثبوتها وأيا كان سببها أو سياقها، يشكل مخالفة لأحكام القانون”.