فؤاد بوجبير*
مقدمة
تعتبر استراتيجية المغرب الرقمي 2030، التي تم إعدادها وإعطاء انطلاقتها عشية التعديل الوزاري لعام 2024، خارطة طريق طموحة تهدف إلى جعل المملكة فاعلاً رئيسياً في التحول الرقمي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبفضل الإرادة السياسية القوية، فإنها تضع أهدافًا سامية،خصوصا التطوير الملموس لمؤشر (EGDI) وتعميم رقمنة الخدمات العمومية.
إلا أن إنطلاقة خارطة الطريق، التي تمت في بيئة مؤسساتية في تطور مستمر من جهة، وظهور تكنولوجيا ناشئة، خاصة الذكاء الاصطناعي (IA) من جهة أخرى، تثير تساؤلات حول استمرارية وتماسك تنفيذ مخططاتها، مما يتعين معه إعادة التفكير في بعض التوجهات بطريقة أكثر واقعية وشمولية.
يقدم هذا النقد قراءة تحليلية وبناءة لاستراتيجية المغرب الرقمي 2030، من خلال سبعة محاور هيكلية. كما يسلط الضوء كذلك على التحديات التقنية والبشرية والمالية الرئيسية، مع استكشاف الركائز التي يمكن للذكاء الاصطناعي تقويتها لتعزيز فعالية وشمولية واستدامة التحول الرقمي.
1. أهداف طموحة والجدول الزمني
إن طموح الارتقاء بالمغرب من المرتبة 113 إلى المرتبة 50 في مؤشر EGDI بحلول عام 2030 أمر جدير بالثناء، لكنه يظل جريئا بشكل خاص، خصوصًا إذا علمنا بأن الأمر يتطلب تحقيق قفزة كبيرة في مجال البنية التحتية الرقمية والحكامة فضلاً عن بلوغ نضج سريع للنظام البيئي الرقمي الوطني، في حين أن البلاد تشهد حالياً تأخراً ملحوظاً في هذه المجالات.
إذا كانت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي أو التحليل التنبؤي تلعب دوراً حاسماً في تحسين جودة وسرعة الخدمات العمومية، فإن الاستراتيجية تبقى غير واضحة بشأن كيفية دمج هذه التكنولوجيا في مسارات المرتفقين والعمليات الإدارية. وعليه، يتعين إيلاء الاولوية لتنفيذ حالات استخدام تطبيقية، مثل التشغيل الآلي لتدبير الملفات أو التنبؤ باحتياجات المواطنين.
سيتعين على المغرب، كذلك، بناء خبرة محلية في مجال الذكاء الاصطناعي، فبدون كفاءات قوية وبنية تحتية فعالة فقد تواجه طموحات تحوله عقبات هيكلية.
سيكون من الأنسب تشجيع إنشاء مراكز أبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير شراكات بين القطاعين العام والخاص، من أجل تحفيز النشر السريع للحلول المبتكرة في الخدمات العامة، وبالتالي دعم هدف التقدم في مؤشر EGDI.
2. الفجوة الرقمية والاتصالات بالمناطق القروية
لا ينجح التركيز على الإدماج الرقمي في الاستجابة الكاملة للتحديات الخاصة بالمناطق القروية أو المهمشة، حيث تظل الاتصالات في كثير من الأحيان غير كافية، والبنية التحتية غير متطورة، وانخفاض مستوى الثقافة الرقمية . هذه الثغرات تقوض الوصول العادل إلى الخدمات الرقمية.
يمكن للذكاء الاصطناعي هنا أيضاً أن يقدم حلولاً فعالة. على سبيل المثال، يمكنه أن يساهم في تحسين نشر البنية التحتية من خلال تحديد المناطق الأكثر أهمية، مع تحسين الصيانة الوقائية لمعدات الشبكات. وفي غياب آليات ملموسة لدمج مثل هذه التكنولوجيا، فإن الجهود الرامية إلى التوسع قد تفتقر إلى الفعالية.
يصبح من الضروري إذن تعبئة الذكاء الاصطناعي في مخططات تطوير الشبكات، لإعطاء الأولوية للاستثمارات، توقع الاحتياجات المستقبلية، وضمان توسع أسرع وأكثر شمولاً للخدمات الرقمية.
3. الأمن السيبراني وسرية البيانات
مع تسارع التحول الرقمي في البلاد، فإن الاستراتيجية لا تولي اهتماماً كافياً للأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية، وهما أمران أساسيان في سياق الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الحساسة مثل الذكاء الاصطناعي.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر أدوات قوية لتعزيز الأمن الرقمي: أنظمة ذكية للكشف عن الاختراق والمراقبة في الوقت الحقيقي، أو حتى التحديد التلقائي للثغرات الأمنية. وعلى الرغم من إمكاناتها، فإن هذه الحلول لم تؤخذ بعد بالشكل الكافي في الاستراتيجية الوطنية.
سيكون من المفيد للمغرب أن يدمج الذكاء الاصطناعي بشكل منهجي في نهجه للأمن السيبراني، من أجل حماية بنيته التحتية الرقمية بشكل فعال مع تعزيز ثقة المواطنين في الخدمات عبر الإنترنت في الوقت ذاته.
4. السيادة والاعتماد على الموردين الخارجيين
إن الرغبة المعلنة في الحفاظ على السيادة الرقمية تصطدم بالاعتماد المستمر على مزودي خدمات السحابة الدوليين. هذا التناقض قد يؤثر سلبًا في المستقبل على السيطرة الوطنية على البيانات الاستراتيجية.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً مهماً في الإدارة الذكية والآمنة للبنية التحتية السحابية المحلية. إن تطوير خدمات سيادية تدمج آليات التنسيق، والتشفير المتقدم، أو حتى الكشف عن الحالات الشاذة بواسطة الذكاء الاصطناعي، سيعزز الاستقلالية الرقمية للبلاد.
لذلك، من الضروري بناء منصات سحابية سيادية تدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على ضمان حماية البيانات مع تقليل الاعتماد على الجهات الفاعلة الأجنبية.
5. تنمية المواهب والاحتفاظ بها
إن هدف تكوين 50 ألف موهبة رقمية سنوياً يعكس رغبة جديرة بالثناء تهدف إلى وضع بنية من الكفاءات الوطنية. ومع ذلك، لا تقترح الاستراتيجية آليات واضحة للاحتفاظ بهذه المواهب في سياق يتميز بمنافسة دولية قوية.
الكفاءات المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي تُستقطب بشدة على الصعيد العالمي، وبدون حوافز مناسبة – ظروف عمل جذابة، ومشاريع بحثية محفزة، ونظام بيئي للابتكار حيوي – قد يشهد المغرب هجرة كفاءاته التي تم تكوينها حديثاً.
لمواجهة هذا التحدي، سيكون من الأنسب وضع برامج للاحتفاظ بالمواهب، مع دعم إنشاء مراكز أبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تعتبر محفزات حقيقية للابتكار والاستقرار المهني.
6. الموارد المالية ومخاطر التنفيذ
تكمن إحدى نقاط الضعف الرئيسية في هذه الاستراتيجية غياب خريطة طريق مالية واضحة. فالطموحات المعلنة، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، تتطلب استثمارات ضخمة لا يبدو أن الوثيقة تتوقعها بدقة.
إن تطوير الذكاء الاصطناعي يتطلب موارد مالية كبيرة، سواء للبحث أو للبنية التحتية أو لاكتساب المهارات. وفي غياب نموذج تمويل منظم ومستدام، فقد تواجه المشاريع تأخيرات أو حتى إلغاء.
كما أن لإنشاء صندوق وطني مخصص للذكاء الاصطناعي، بدعم من شراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمار الدولي، يمكن أن يشكل محفزاً فعالاً لتأمين الموارد اللازمة لنجاح هذا التحول.
7. الذكاء الاصطناعي من أجل أهداف اجتماعية وبيئية
تظل استراتيجية المغرب الرقمي 2030 مركزة على الأداء الاقتصادي، مع إهمال الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية الكبرى. ويمكن لقطاعات مثل الصحة والزراعة وإدارة الموارد الطبيعية أن تستفيد من دمج المزيد من الابتكارات التكنولوجية.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تطبيقات عملية: الزراعة الدقيقة، والمراقبة البيئية، الولوج إلى الرعاية الصحية عبر أدوات تنبؤية، أو حتى تعزيز الإدماج الاجتماعي بفضل المنصات الذكية. ومع ذلك، لا تزال هذه الاستخدامات غير مستغلة بشكل كافٍ في الرؤية الحالية.
لقد أصبح من الضروري توسيع نطاق عمل الذكاء الاصطناعي ليشمل هذه القضايا، من خلال تمويل المشاريع النموذجية ودمج مؤشرات اجتماعية وبيئية في تقييم الاستراتيجية الرقمية.
توصيات تكميلية لتعزيز تأثير الاستراتيجية:
● وضع خطة عمل مفصلة وقابلة للقياس (SMART)، مع مراحل واضحة ونظام تتبع وتقييم صارم.
● الاستثمار بكثافة في التعليم والتكوين على المهارات الرقمية، بالاعتماد على الدورات التدريبية المفتوحة عبر الإنترنت (MOOCs)، والشراكات الخاصة، وإصلاح المناهج الدراسية.
● وضع برنامج وطني لدعم التحول الرقمي للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، مع الدعم التقني، والحوافز الضريبية، وتسهيل الوصول إلى التمويل.
● تعزيز نظام الأمن السيبراني بإنشاء وكالة مخصصة، ووضع لوائح صارمة، وتدريب متخصصين.
● تحفيز الابتكار المحلي من خلال حاضنات الأعمال، وصناديق الاستثمار المختلطة، والمسابقات التكنولوجية.
● مواصلة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية (الجيل الخامس، مراكز البيانات، والكابلات البحرية).
● تعزيز الإدماج الرقمي الفعال من خلال المساعدات المادية، ودورات محو الأمية الرقمية، وخدمات مُكيَّفة لذوي الاحتياجات الخاصة.
● تحديث الإطار القانوني لتأمين البيانات، وتشجيع التجارة الإلكترونية، وتعزيز التجريب التكنولوجي.
● عقد شراكات دولية لنقل المعرفة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
● وضع حكامة واضحة وشاملة للاستراتيجية الرقمية، مع قيادة مشتركة بين الوزارات وتنسيق بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.
خلاصة
تشكل استراتيجية المغرب الرقمي 2030 رؤية طموحة وضرورية للمستقبل الرقمي للمملكة.غير أن نجاحها يعتمد على الإدماج الفعال للذكاء الاصطناعي في جميع محاورها الأساسية، من الأمن السيبراني إلى تكوين الكفاءات مروراً بالسيادة التكنولوجية والاستدامة.
من خلال تعزيز السياسات العامة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي – لا سيما من خلال البحث والتطوير، دعم الشركات الناشئة، البنية التحتية السحابية السيادية، والأمن السيبراني الذكي – فإن المغرب سيتمكن ليس فقط من تدارك تأخره فحسب، بل سيتمكن أيضاً من التموقع كقائد إقليمي في مجال الابتكار الرقمي.
*باحث في علوم الإدارة ( التدبير العمومي)