محمد فارس
الجواب: كلاّ! فأُمّة مهمومة، تتقاذفُها أمواج الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، وغارقة في بحر الدّيون الهائلة والثّقيلة، فكيف لها ستلْهو وتُنظِّم كأس العالم؟ أيّ عاقل سيقْبل بذلك؟ وأيُّ حكيمٍ سَيوصي بذلك؟ وأيُّ مواطنٍ عربي مهموم سيَفرح لذلك؟ فلا الطعام للجياع وفّرناه؛ ولا الماء للعطْشى فجَّرناه؛ ولا العلاج للمرضى أوجدناه؛ ولا الشّغل للعاطل بسياسةٍ حكيمة أعطيناه؛ فأيُّ كأس عالمٍ سنحتفي به ونرعاه، والفقر سائرٌ بنا إلى منتهاه، والفسادُ سائدٌ في كلّ القطاعات وكلُّ فاسدٍ في المجتمع نال مبتغاه؛ أيُّ كأسِ عالمٍ تشاهدونه وتصفّقون لمبارياتِه، وتتابعون وتترقّبون نتائج مقابلاتِه، وتَجعلون تحليلاتِه هي الأهمّ وكأنّ كرةَ القدم صارت أهمّ من قضايا أمّة بسبب زُمرة سياسيين لا تَفهَم، ولا تهتَمّ بأمورٍ هي أولى بالتحليل والشّرح والتّفصيل، بدلاً من تحليلات اللّهو، والتّفاهة وذلك ما برعَت فيه وسائل إعلام الكذبِ والتّضليل؛ واحرَّ قلباه!
قال تعالى في كتابه العزيز: [وَمِن النّاسِ من يَشتري لهْوَ الحديث] صدق الله العظيم. و[قطر] اشتَرتِ اللّهْوَ وأنفقتْ عليه ما يربو على (220) مليار دولار، ومليارٌ واحد من هذه الملايير، كان يكفي لإطعام وإيواء جوْعى ومُتَشرّدي هذه الأمّة العربية المنكوبة.. ماذا لو كانت [قطَر] قد أدّت بهذه الملايير ديون بلدان عربية تتحكّم فيها مؤسّساتٌ نقدية دولية؟ ماذا لو كانت [قطر] قد ساهمت في تحرير دولٍ عربية فقيرة من هيْمنة دول غربية تُمْلي سياساتها السَّبوعية الطّاغية، وتزيدُ الأوضاعَ فيها تأزُّمًا وفقرًا وأحوالا مزرية؟ أليس هذا هو دخول التاريخ من بابه الواسع بدل الوهم الذي ينتجه تنظيمُ كأس اللّهو العالمي؟ فالله عزّ وجلّ لا يبارك اللّهْوَ واللّعب، بل قال جلَّ جلالُه بصريح العبارة: [ذرْهُم يلهُون ويَلعبون حتى يُلاقُوا يومهُم الذي كانُوا يُوعَدُون]. شيَّدت [قطر] صروحًا، وأقامت جسورًا، ورفعتْ ناطحات سحاب، وبنت ملاعب، لكنّها لم تَبْن إنسانًا، وحتى في اللّهو كانت أوّل مَن دَخل وأوّل مَن خرج من لهْوِ كأس العالم..
والأغرب بل الأعجب من هذا، هو أنّ كأس اللّهو، صار مناسبة لمنظمات هدْم العُروش، وتدمير القيَم.. صار كأسُ العالم في [قطر] فرصة لنشْر الشّذوذ والمثْلية وإفشاء أخلاق الخنازير، وجعْلِها حقوقًا من أبرز حقوق الإنسان؛ كان هذا يحتّم على دولة [قطر] إلغاء هذه المهزلة، وجعل مباريات كأس اللّهو مُنتهية رسميًا حفاظًا على القيم، والدّين، والتّقاليد الإسلامية الحنيفة.. كان من المفروض إلقاءُ القبض على وزيرة الدّاخلية الألمانية، بعدما بدت وهي تحْمِل على ذراعها الأيمن شارةَ الـمِثْليين الـمُخْجِلة في تحدٍّ سافرٍ لدولة [قطر] ولقيَمها، ولدينِها، أو على الأقلّ كان من الواجب طردُها فورًا من البلاد، لأنّ من لا يحترِم دينَنا، وقيمَنا، فلا كرامةَ له، ولا حُرْمةَ له بيْننا؛ ولكنْ..
خلال كأس العالم في [روسيا] سنة (2018)، كان القيْصر [بوتين] واضحًا، وصارمًا، حيث أعلن أنّه لن يسمح في بلاده بأيّة إشارة للمثْلية، أو دِعاية للشّذوذ الجنسي خلال التّظاهرة؛ وهكذا، حرِص الكلّ على احترام قرار القيصر [بوتين]، لأنّ الكلَّ عَلِم أنّ الرّجلَ لم يكُن يمْزح، ومعروفٌ عنه كراهيته للمثْلية المقيتة، حتى لإنّه سنة (2008) طردَ [ساركوزي] من قصره، وكاد أن يعتقلَه لأنّه فتحَ معه ملَف الـمِثْلية كحقٍّ من حقوق الإنسان الكاذبة.. وخلال مقابلة [الويلْز] تحدّى المشجّعون للفريق دولةَ [قطر]، وشهَروا إشارات المثْلية، ووَضعوا على رؤُوسهم قبّعات تَرمز لعَبَدة الشّيطان، ودُعاة الشّذوذ؛ مما يبيّن أنّ هذه الكأس قد صارت فرصةً للمنظّمات الهدّامة، وللجمعيات التي تنشر المنكر، وتحثُّ عليه، وتُفشيه في المجتمعات بشتى الأساليب.. صارَ كأسُ العالم، مناسبةً لِلتّعهير العالمي، ولإشاعة أخلاقِ وسلوكات الخنازير، وممارسات مَن هم دون مستوى الإنسانية، بل مَن هم أحَطُّ من الحيوان.. لكنّ السّؤال الآن هو: هل دولة [قطر] دخلتِ التاريخ كما تكذِبُ وتدَّعي قناةُ الجزيرة، أم خرجتْ من التاريخ كُلّيةً؟ الجواب: دخولُ التّاريخ لا يتمُّ عن طريق اللّهو، واللّعب، والتّبذير لثروات أمّةٍ يفرُّ أهلُها عبر البحار، ويركَبون الأخطار فرارًا من سجن العالم العربي الـمَنكوب.. كان على دولة [قطر] أن تحرّر الدّول العربية من استعمار البنك الدولي، وصندوق النّقد الدولي اللذين يتحكّمان عن طريق الدّيون في دول عربية فقيرة؛ كان على [قطر] تخصيص هذه المليارات لأداء ديون هذه الدّول لتحريرها من الهيمنة الأجنبية، وبذلك كانت [قطر] ستدخُل التّاريخ المجيد إلى الأبد..