محمد فارس
كان لنا أساتذة فرنسيون، وكانوا يُعْطوننا مواضيع للمناقشة والتّحليل، فكانوا ينصحوننا بتحديد الإطار وعَدم الخروج عنه، وإلاّ فإنّ الأستاذ عند التصحيح سيكتب لك: [H.S] يَعْني [Hors – sujet] لأنّك خرجتَ عن الموضوع، وسيمْنحك نقطةَ: (1 على 20) وهي نقطة أسوَأ من الصّفر.. واليوم، لو أراد هؤلاء الفرنسيون تَقييم سياسة [ماكرون] لمنحوه نقطة (1 على عشرين) لأنه خرج عن الموضوع ولأنّه قال بمحاربة الانعزالية والتّطرف، ولكنّه وبدون مبرّر أو ضرورة، أقحَمَ سيِّدنا [محمّدًا] عليه الصّلاة والسّلام في الموضوع، مع العلم أنّ هذا النّبي الكريم ودينه السّمح لا دخْلَ لهما في ما تعانيه [فرنسا] بسبب سياسة خاطئة، وهكذا سمح [ماكرون] بدعوى (حرّية التعبير) بالإساءة للإسلام ولنبيِّه عليه الصّلاةُ والسلام، وهذا دليلٌ على أنّ [ماكرون] يَهْدف إلى أشياء أخرى، وأنّه يريد استردادَ شعبيتِه التي دنّت بسبب فشله في إصلاح أوضاع [فرنسا] اقتصاديا واجتماعيًا وتراجُع دوْر [فرنسا] في السّياسة الدولية، فصار يَخْبط خبْط عشواء، ويَحشُر أنفَه في قضايا لا يَفقه فيها، واعتمد الشّتائم والسّباب، بدل الحكمة والعقلانية في السّياسة..
إنّ [ماكرون] بسبب جهْله، وبحُكم غبائه الذي لا تُخْطِئُه العين [s’acharne contre l’Islam] معتقدًا أنّه يعاقِب الأتراك ورئيسهم [أردوغان]، وهو نفسُه الخطأ الذي وقع فيه كلّ من الفيلسوفيْن [سبينوزا] وبعْده [ڤولتير] اللّذيْن كانا يَعتقدان أنّ الإسلام هو ما يمثّله الأتراك؛ و[ماكرون] اليوم، يَعتقد أنّ الإسلام هو ما تمثّله [تركيا] ورئيسها [أردوغان]، في حين إنّ الدين الإسلامي، هو دينُ الجميع، و[محمد] عليه السّلام أُرْسِل رحمةً للعالمين، وصاحبُ الرّحمة لا يأمر بالقتل، والغدرِ، والخديعةِ، ومن يَفعل ذلك، فليس من الإسلام، و[محمّد] عليه السلام، بريءٌ منه، ومن أفعاله، وأقوالِه، وقد سُئِل النّبي الكريمُ عن المسلم، فأجاب: [هو مَن سلِمَ الناسُ من يده ولسانه]؛ فانظُرْ إلى لفظة [الناس]، بغضّ النّظر عن عقائدهم، وألوانِهم، حيثما وُجِدوا في هذه الدّنيا الفانية..
جميعُ الرّؤساء الفرنسيين، مسيحيين ومُلحدين، كانوا كلّهم يبرّئُون الإسلامَ من العنف والإرهاب، وكان آخرهم [هولاند] الذي صرّحَ علانيةً بأنّ الإسلامَ لا علاقةَ له بالإرهاب إطلاقًا؛ وهكذا، فليس من المعقول أن يُربَط بالإسلام كلّ مَن عُبِّدتْ أو حُمِّدتْ أسماؤُهم، وليس كلّ مَن قَتل، وادّعى الإسلامَ نصدّقُه بهذه البلاهة ونؤاخذُ الإسلام والمسلمين بفعْلتِه، ونحن نَعْرف أنّ الإسلام بريء ممّا فعلَه.. وقد يسألني القارئ الكريم: (هل وُجِدَ مثلُ هؤلاء عَبْر التاريخ؟)، والجواب هو: نعم؛ ادّعوا الإسلامَ، وكانت أفعالُهم ممّا يمقتُه الإسلامُ، ويحذّر منه نبيُّ الإسلام، ويتوعّدُه الله عزّ وجلّ بالعقاب.. هؤلاء، همُ الخوارج، وقد بثّوا الفتنة، وقتلوا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كان (ابنُ خَبّاب)، ابن صاحب القلب العَقُول واللّسان والصّحابي الجليل، كان ابنُه هذا مسافرًا بصحبة زوجتِه، فلقيه بعض الخوارج، وطلبوا منه أن يحدّثهم بحديث عن أبيه، سمعه من النّبي الكريم، فحدّثَهم بحديث سمعه من أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واعتقَد (ابن خبّاب) أنّ هؤلاء مُسْلمون، ولكنْ ما أبعدهم عن الإسلام، وما أشدّهم عداوةً للرسول ولأصحابه الكرام، فماذا فعلوا به؟ وقتلوه، وبَقَروا بطْنَ زوجته، وكانت حاملا؛ ألا يُشْبِه هذا ما يقومُ به اليوم المتَمَسْلمون أعداءُ الإسلام؟
في سنة (1938)، شحَن الصّهاينةُ يهوديًا مراهِقًا يُدْعى [هيرْشل كروس باند]، فقام هذا المراهقُ بقتل موظّف في سفارة [ألمانيا] في [باريس] كما قتَل الشّيشاني الفرنسي المدرّسَ للتّاريخ، وقطعَ رأسَه، فاستغلّت [النازيةُ] الحادثَ، وهو ما أرادتْه [الصّهيونيةُ] سليلَة [النّازية] وأُقيمَ مأتم كبيرٌ لعِبَت فيه الدّعايةُ دوْرًا كبيرًا، ودخلت تعاليمُ كتاب [كفاحي] لِـ[هتلر] حيِّزَ التنفيذ، فكانت [كريسْطال نَاخْت] أي [ليلة الزّجاج المكسور] الدّموية، وقوطعَت بضائعُ ومتاجرُ اليهود، كما قوطِعَت اليوم متاجرُ [حلال] في [فرنسا]، وأُغْلقَت دورُ عبادة اليهود، كما أُغْلقَت اليوم في [فرنسا] عدّة مساجد بأمرٍ من [ماكرون] الذي يرزحُ تحت صغوط صهيونية بغيضة.. فلو دقّقتَ النّظر في جريمة [باريس]، لألفيتَ أنّ من ورائها أيادي خفية، وأنّها حيكَت بدهاء حتى تُربَط بالإسلام؛ وبعض الفرنسيين الأذكياء يَعْرفون ذلك، ولكن لا قوة لهم أمام موجة الدّعاية الإعلامية التي تسطّح وَعْيَ المواطن، وهو ما عانى منه الألمانُ أيام دعاية [غوبلْز]، وهو الذي تزَعّم مأساة [ليلة الزّجاج المكسور]، وكان يُصْدر الأوامر، ويحرّضُ على اليهود، كما تحرّضُ الدّعايةُ الإعلامية اليوم في [فرنسا] على الإسلام، وعلى المسلمين الـمُسالمين.. فهؤلاء القتلة خلقتْهم [فرنسا] بعنصريتها بما يُسمّى [l’indifférence]؛ وهؤلاء تَسْتغلّهم المنظّمات، وتُلْبِسُهم ثوب الإسلام، مستغلّةً فقرهم، وضياعهم، وتعطّل ملكاتِهم الفكرية والذّهنية؛ و[فرنسا] العَلمانية، معروفة بخلق هذه النّماذج الشّاذة؛ ألمْ تَخْلق خونةً في البُلدان التي استعمرتْها؟ ألم تكوِّنْ فرنسيين جُدُدًا لهم بشرةٌ مخالفة للأوروبيين، ولكنّهم فرنسيون بالرّوح، والقلب، والفكر؟ ألمْ تَدُسّ في بلدان منحتْها الاستقلال، أذنابًا لها، همُ اليوم يتحكّمون في السياسة، والاقتصادِ، ويدافعون عن اللّغة الفرنسية؟ ألم تلقِّنْهم [فرنسا] بأنّ دينَنا خرافة، وأنّ ثقافتَنا فولكلور، وأنّ لغتَنا لهجة؟ بهذا المنطق تتعاملُ معنا [فرنسا] اليوم، فلا غرابة إذا كانت تنفّذ تعاليم الصّهيونية؛ فكلّ ما بقيَ لها هو الإسلام، لأنّه يمثّل خطرًا على عَلمانية الشّذوذ، والدّعارة، و..