يعتبر ما وقع في منطقة الكركرات وبالضبط في المعبر الحدودي، الرابط بين المغرب وموريتانيا، معركة حقيقية، معركة بين الحق والباطل، تم فيها استعمال كل الوسائل الخسيسة لجر المغرب إلى معركة غير حقيقية يظهر فيها ظالما، غير أن جيشا وراءه دولة ضاربة في التاريخ ويقودها ملك يؤمن بالسلم والسلام لن ينجر إلى استفزازات عناصر المرتزقة، وبعد أن أقام الحجة والبرهان على أعمال العصابات وقطاع الطرق، الذين دفعت بهم البوليساريو إلى خط النار، قرر المغرب اتخاذ اللازم في الحد الأدنى من استعمال القوة، التي لم يضطر إليها مع تعليمات صارمة بتجنب الاحتكاك بالمدنيين.
قطع الطريق الوحيدة الرابطة بين المغرب وغرب إفريقيا هو عمل قطاع الطرق واللصوص، وتبين أن قادة المرتزقة ليسوا سوى من هذا الصنف، وأن تمثيلهم لسكان الصحراء مجرد وهم، والآن ظهرت منظمة صحراويون من أجل السلام، وهناك منتخبون في الأقاليم الجنوبية، بما يدعو إلى مراجعة قضية التمثيلية بالنظر إلى المتغيرات على أرض الواقع.
المغرب مارس ضبط النفس في مستويات عليا، أو ما أسميناه الصبر الاستراتيجي، إذ ظلت عناصر المرتزقة يتحرشون دائما بهذا المعبر، وسبق أن اعترضوا الرالي الدولي باريس داكار، ومرت 25 يوما بالتمام والكمال والشاحنات تنتظر فرصة للعبور، لكن دون جدوى، واستعمل المغرب كل الوسائل القانونية، التي يكفلها المنتظم الدولي، واستعمل الوساطات السلمية والدبلوماسية وراسل الأمين العام للأمم المتحدة وراسل رئيس مجلس الأمن الدولي، وأخبر قيادة المينورسو، ولكن لأن الأمر يتعلق بعصابات وليس منظمة تحترم القوانين الدولية فإنها استمرت في ممارسة هذا العمل الإجرامي.
الذين ينضبطون للقرارات الأممية لا يمكن أن يقوموا بقطع الطريق، وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس البوليساريو من مغبة التمادي في غيها يوم 25 أكتوبر غير أنها لم تستجب لهذا النداء، ولا هي سمعت نداءات العديد من الدول التي دعت إلى التهدئة.
جلالة الملك محمد السادس أعلن خلال خطاب الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء أن المغرب لن يبقى مكتوف الأيدي أمام الاستفزازات التي تقوم بها جبهة البوليساريو، وكان ذلك إعلانا للعصابات بأن الأمر جدي، فالمخاطب هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان الحرب العامة، ووراءه جيش من الأبطال خبرته العصابات ومن يقف وراءها خلال 16 سنة من الحرب.
لكن ومع كل ذلك فالمغرب لا يريد الحرب، لأن منطق الدولة يفرض أن الحرب خسارة مهما كانت نتيجتها، ولهذا وطوال السنين العديدة، ظل حريصا على إيجاد مخرج للملف بعيدا عن الصراع المسلح، واقترح الحكم الذاتي بعد فشل كافة المخططات المطروحة لحل النزاع وبعد إعلان جيمس بيكر فشل مشروع الاستفتاء، وبالتالي يكون المغرب الدولة صاحبة الحق والتي تقدم يدها للحلول السلمية حقنا للدماء، لأن المغرب ما زال يعتبر البوليساريو أبناءه الضالين، ويحرص على عودتهم إلى أرض الوطن بدل استغلالهم من قبل جنيرالات الجزائر.