قدمت الحكومة، في شخص وزيرة الاقتصاد والمالية، أمس أمام البرلمان مشروع قانون المالية، وذلك بعد تقديمه أول أمس أمام جلالة الملك محمد السادس خلال المجلس الوزاري، ويمكن القول من خلال الاطلاع الأولي عليه إنه واقعي وممكن، وبالتالي تكون حكومة عزيز أخنوش بعد التنصيب قد استيقظت من أحلام الانتخابات، التي لا تنتهي، حيث طارت الأرقام الفلكية، التي تم تقديمها خلال 15 يومًا من الانتخابات، والتي جلبت للأحزاب المطلقة لها أصواتا مهمة وغير مسبوقة، وحلت محلها التوقعات المتواضعة التي طرحتها الحكومة.
من أرقام فلكية انتقلت الحكومة إلى مشروع قانون مالية دون أرقام. ما طرحته اليوم يعتبر واقعيا بالنظر لما بين يديها من قدرات، وطبعا ليس هو الممكن الوحيد، وبينما احتل مفهوم الدولة الاجتماعية حيزا من التصريح الحكومي، الذي على ضوئه نالت الحكومة ثقة البرلمان، غابت الدولة الاجتماعية من مشروع قانون المالية، الذي ركّز على الضرائب، التي لن تكتوي بنارها سوى الكتلة الكبيرة من المواطنين.
فتعزيز آليات الإدماج ومواصلة تعميم الحماية الاجتماعية، الذي هو أحد مرتكزات قانون المالية الجديد، هل ينسجم مع التوجهات المغرقة في الليبرالية غير الاجتماعية للحكومة، الهادفة إلى إعطاء الأولوية للرأسمال، فذلك ليس عيبا ولكنه قاتل إن لم ينعكس على ما هو اجتماعي، فالمؤسف أن يكون هناك بون بين تطلعات الدولة، وتطلعات الحكومة، فبينما تسعى الأولى لتكون اجتماعية، تسعى الثانية، التي هي من أدواتها كما يفرض الدستور، إلى أن تكون في خدمة رجال الأعمال أو ما نسميه “تجمع المصالح الكبرى” المهيمن على الحياة السياسية والاجتماعية والحكومية بالإضافة إلى هيمنته الاقتصادية.
القصة وما فيها، أن الحكومة عندما كانت مجرد أحزاب تتنافس للوصول إلى قبة البرلمان وقبل أن تشكل الأغلبية، خاطبت الناس بوسائل عديدة وعلى رأسها العالم الافتراضي، وبالنظر لظروف الجائحة ولفهم بسيط عند “السياسة القادمة من الشركة” هيمنت الحملة في السوشال ميديا على الحملة الواقعية، حتى عدّها مهتمون بسبعين في المائة، وبالتالي كان الخطاب افتراضيا، يخاطب فئة من المجتمع بعيدة عن الواقع، لكن بعد تشكيل الحكومة تبين أن كل الوعود ليست واقعية.
لكن الواقعية مرة وليست حلوة مثل الوعود الفلكية. فاليوم نرى أن البرنامج الحكومي تضمن بضع نقط من برنامج حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يترأس رئيسه الحكومة، وغابت كل الوعود، مثل زيادة 2500 درهم في رواتب رجال التعليم، التي أصبحت مشروطة اليوم بالتكوين ثلاث سنوات، ولم يجب عن سؤال الذين يشتغلون حاليا، وغابت منه تعويضات كبار السن، وغابت منه أشياء كثيرة، لكن الأدهى والأمر هو غياب برنامج حزب الأصالة والمعاصرة وبرنامج حزب الاستقلال، وكان نزار بركة قد وعد بترسيم المتعاقدين في التعليم، لكن يبدو أن كلام النهار يمحوه ليل الحكومة ووعود هذه الأخيرة الافتراضية تصطدم بالحقيقة المرة للواقع.