أليس فيكم رجل رشيد.. عاقل… حكيم… ينقذنا من هذه المهازل على موائد الإفطار يوميا، يرمي لنا بطوق الأمان في بحر التفاهة و السداجة و العصيان، ينير لنا دربا مضيئا ببعض الفكر و الحكم و المواعظ و العبر و القيم وشيئا من نبل هذه الحياة، ينسينا هم الأسعار وشح الأمطار و قلة المال ، وعجز مسؤولينا عن الزيادة في أرزاق بني الانسان، أليس فينا رجل عاقل في تلفزتنا يصيح بأعلى الصوت هذا هراء وعبث وهذيان… ممثلون يتراقصون بحوارات جامدة وتمثيل ناقص و فكر منعدم حول موائدنا بلا استحياء و لا استئذان… يدخلون البيوت عنوة لتسيح مشاهدهم القبيحة و الرديئة عبثا على موائد الافطار..
اتذكر مقولة محمد زفزاف حينما سئل عن تفاهة المسلسلات و الأفلام في المغرب، قال “أن الممثلين لا يقرؤون”، فعلا نلمس ضعف في السيناريو و في الأداء و حتى في طرح الأفكار وصعب أن نطلب منهم إنتاج الأفكار مادام مثقفونا تواروا على الأنظار وصنفوا في لائحة الغائبين ، و أضحى الإنتاج الفكري في بلدنا من الثراث و التاريخ، و لنبقى مع هؤلاء الأبطال على موائد الإفطار، إذ تجد الحوار مكرر في جميع المشاهد ربما التنسيق في الديكور جيد بالاستعانة بفلل و بيوت وأثاث فاخر من محلات “الأستاذ فاخر” وهذه للمزحة فقط، و نقول جديا أنها من شركات تدخل على الخط لاشهار منتوجاتها “بلا ما تعيق زعما”، لكن يبقى تكرار العبث في محاولة الإضحاك دون موضوع أو فكرة من أكبر المصائب التي ابتلي بها المغرب، حقيقة صعب أن تضحك بالفكرة و الموضوع ذلك يحتاج دراية كبيرة بطبائع البشر لكن يبقى البحث و الدراسة و القراءة منهلا لنهل الافكار ، ولعل مدرسة بزيز شاهدة على ذلك من اللعب بالكلمات و المواضيع وطرح فكرة قاسية بلغة ساخرة قد تبكي في أول الأمر لكن عمقها قساوة و ألم…
جل السلسلات سقطت في التمطيط، و بعضهم حاول في جزئه الثاني خلق الإثارة لكنه فشل، ربما نجح بعض الممثلين في لفت الانتباه بمجهود شخصي في خضم مسلسل يعيش على وقع التكرار ، أما بعض الآخر من الممثلين لم يحترم تاريخه في المسرح وسقط سقوطا مدويا في لعب دور “الأركوز” المحاول إضحاك الناس، لكنه فشل في الإضحاك، ونجح في الحصول على أجر مالي جيد يضمن له تقاعد مريح للأسف من مال المغاربة، أما فضيحة انتقال سلسلات “اليوتيوب” الى التلفاز فتلك أكبر المصائب، بالرغم من براعة الممثلين فيها ، لكن عمق الإشكال أن تستعين التلفزة بسلسلات كانت في “اليوتيوب”، وخوفنا كبير أن نرى يوما ما “روتيني اليومي” على القنوات العمومية… هذا أمر غير مستبعد مع تفكير بعض القوم في تدبير التلفزيون الذين همهم “إكلاخ” الناس عوض الرفع من مناعتهم الأخلاقية و الثقافية و التوعية ، قوم يحارب بشتى الطرق زرع القيم و خلق التنوير الثقافي المبني على مبادئ التمغربيت الحقيقية لا الاستعانة بشركات انتاج أغلب مسؤوليها يفكرون بعقلية ما وراء البحر….