محمد فارس
اتّصَل بي صديق قديم، من مدينة بعيدة، ليُعبّر لي عن اهتمامه بالمقال الأخير حول قَتْل الصّهاينة لسيِّدنا [يحيى بن زكريا] عليهما الصلاة والسلام، وقال إنّه كان يَجْهل هذه الحقائِق، ثم قال لي: [هَلْ من مزيد!]، ويا ليتَه ما طلب، لأنّه كلّفني ليلةً من البحث الشّاق بين أكوام المراجع في ليلة باردة من ليالي الشّتاء القارسة؛ ولكن خلال البحث الـمُضْني، على ماذا عثَرت يا تُرى؟ عثرتُ على ما أكّده القرآنُ الكريم، أنّهم يقتلون الأنبياءَ بغير حقّ، وأنّهم أكثر الناس عصيانًا لله كما جاء في كتاب: [رسالة في اللاَّهوت والسياسة] صفحة (405)؛ الفصل السابع عشر للفيلسوف [إسبينوزا] وهو يهودي الأصل، مسيحي المعتقد.. لكنْ قبل ذلك يجب أن أشير إلى أن من يزكّي العلاقة مع [إسرائيل]، فإما أنّه يحاول الحفاظ على منصب، أو نَفْعي يَحْرِصُ على بقاء مصلحة، أو مُتحزّب يحافظ على تواجُده في اليَانَصيب الانتخابية؛ وأمّا من يعارض، فهو ينتمي إلى جماعة أو تَيّار يغتنم الفرصةَ لمواجهة الدولة، ويوظّف آلةَ الدّين لإضفاء الشّرعية على موقفه، وليس لديه فرصة أحسن من هذه؛ ومعلوم أن دعاة الفتنة يستخدمون الدّين، وبه يُضِلّون، لكنّ مواطنًا مثلي لا يستبطن أيّةَ خلفية سياسية، أو دينية أو إيديولوجية غيْر استحضار حقائق التاريخ، والخوف على الوطن واستقراره من خصوم الداخل وكَيْدِ أعداءِ الخارج؛ وهذا ما ينشده، وهذا ما يخافه، وهذا ما يحذِّر منه لا أقلَّ ولا أكثر..
نعود إلى موضوعنا بهدف إرضاء قرائِنا الأفاضل، لأُطْلعَهم على ما عثرتُ عليه خلال البحث.. قُلنا في مقالة سابقة إنّ سيّدنا [يحيى] قُطِعت رأسه، وقُدِّمت كمهْر لعاهرة تُدْعى [شالومي]، وسيّدنا [يحيى] هو ابن سيِّدنا [زَكَريا]؛ كان هذا الأخير من ذرّية [سليمان] بن [داود]، قتِل هو كذلك بعد مقتل ولدِه [يحيى]، وكان له يوم بُشّرَ بولده اثْنتان وتسعون سنة، وقيل: تسع وتسعون، وقيل: مائة وعشرون.. الشهيد سيّدُنا [زكريا] اسم أعجمي و[زكريّا] بتشديد الياء وتَخْفيفها؛ وسيّدنا [يحيى] ولدُه هو أوّل من سُمِّي [يحيى] بنصّ القرآن، ولد قبْل سيّدنا [عيسى] عليه السلام، بستّة أشهر، ونُبِّئ صغيرًا، وقتِل ظلمًا قبْل مقتل ولدِه سيِّدِنا [زكريا]، فسلّطَ الله على قاتِليه [نُبُخُدْ نَصْر] وجيوشَه، فحكمَ عليهم بالعبودية والقهر.. قال [الكرماني] إنّه سمِّي [يحيى] لأن الله أحياه بالإيمان؛ وقيل سُمّي [يحيى] لأنّه حيِيَ به رحِمُ أمّه؛ وقيل سُمّي [يحيى] لأنّه استُشهِد، والشّهداءُ أحياء عند ربهم يُرزقون.. ذات يوم كانت سيّدتُنا [مَرْيم] عليها السلام جالسَة إلى سيِّدتِنا [أمّ يَحْيى] عليها السلام، فقالت سيّدتُنا [مريم] لأمِّ [سيِّدنا يحيى]: [إنّ الذي في بطْني، يَسْجُد لِلَّذي في بَطْنِك]؛ ومعلوم أن [السّيد المسيح] عليه السلام، لم يمدّه الله عزّ وجلّ بالمعجزات إلاّ بعدما عمّده سيِّدُنا [يحيى].. ويقولون في الكنائس عند الصّلوات بصوت جُهوري: [عيسى حَيّ]؛ ونحن نقول لهم: كلاّ! [عيسى] ميّت؛ قال تعالى في كتابه العزيز: [إنّي مُتَوَفّيك] الآية؛ ولكن الذي بقيَ حيّا في حياته، وبعْد مقتله، هو سيِّدنا [يحيى]، وقد سُمِّي [يحيى] من فوق سَبْع سماوات قبْل مولده وقد ولدتهُ أمُّه وهي تَبْلغ من العُمْر عُتِيا؛ وسيِّدنا [يحيى] هو مِن بيْن خمسة سُمُّوا قبْل أن يَكونوا: [محمّد] صلى الله عليه وسلم: [ومُبَشِّرًا برسول يأتي مِن بعدي اسمُه أحمَد]؛ و[يحْيى]: [إنّا نُبَشِّرُكَ بغلام اسمُه يَحْيى]؛ و[عيسى]: [إنّ الله يُبَشِّرُكِ بكلمةٍ منه اسمُه المسيح عيسى]؛ و[إسحاق ويَعقوب]: [فَبَشَّرناهَا بإسحاق وَمنْ وراءِ إسحاق، يَعْقوب] صدق الله العظيم.
يقول [تُولسْتُوي] في كتابه: [الحرب والسّلام]؛ الجزء: الثالث؛ صفحة: (57): [إنّ الانتساب إلى الصّهيونية جريمة؛ فهُم يريدون إعادة هيْكل (سليْمان)، وهُم يجهدون في تهديم هياكل الأوطان].. إنّ الصّهيونية دموية وإرهابية بطبيعتها ولا يُؤْمَن جانبُها، فهي أسالتْ دماءً وقَتلتْ أنفُسًا عبْر العالم بأسره وفي عواصم كثيرة غيْر محترِمة لسيادة الدول وأمْنِها؛ لقد قامتْ باغتيالات في [باريس]، و[روما]، و[أثينا]، و[لندن]، و[قبرص]، و[تونس]، و[فارسوڤْيا]، و[أوسْلُو]، و[بَيروت]، بل إنّها اغتالت حتى مغاربة لا شأنَ لهم بالسياسة وأشهَرُهم المغربي [البُوشيخي]، نادلُ مقهى في [أوسْلو] لأنّه شُبِّهَ لهم بالمناضل [كمال عُدْوان] الفلسطيني، فقتلوه في مقر عمله، وقد اختفى القَتلةُ حتى ظهَر قائدهُم يومًا ويُدْعى [دان أرْبيل] كحارس شخصي لِلدّيكتاتور [نورْيِيغا] في [بانَما]؛ ومع ذلك لم يتابعْ أيّ مجرم من القتلة الصّهاينة؛ و[كمال عُدْوان] اغتيلَ في ما بعْد في [بيْروت] بواسطة سيّارة مفخّخة، ومع ذلك تَدّعي [إسرائيل] مكافحة الإرهاب، وهي الإرهابُ بعَينه؛ والآن، تمارس الحفْريات تحتَ المسجد الأقصى، وقد صارت جُدرانُه تتداعى، تساندها [الصّهيومسيحية] وقد تناسوا ما قاله السّيد [المسيح] عليه السلام، عندما أمر بهدم الهيكل قائلاً: [لا تَتْركُوا حجرًا على حجر، فهذا هو الأصل في إراقة الدّماء]؛ والهيكلُ سبَقَ وأن هدَمه كلٌّ من [نبوخُد نَصر]، و[تيتُوس]، وأمّهُ الإمبراطورة [كاتْرينَا]، فلا أثر له على الإطلاق، وإنّما صار كذْبةً، وذريعةً لهدْم المقدّسات الإسلامية في [القدس]، وسيَهْدِمُ الله من هدَمَ هذه المقدّسات أو هوَّدَها..