مصطفى المنوزي
منذ تحملت مسؤوليتي ككاتب عام للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ، ثم كرئيس لولايتين ، وأنا اقرن مطلب استكمال مقتضيات عدالة الانتقال الديمقراطي والذي لم يكن يؤمن به جزء من البعض ، بنفس القدر الذي يؤمنون فيه بالعدالة الانتقالية ، أقرن المطلب بتسوية العلاقة مع الجوار وبتصفية الاستعمار . وكان بعض من رفاقي ورفيقاتي ، داخل المنتدى وخارجه ، يعتبرون موقفي غير متناغمة مع اعتدالهم ، لأن المطلب يحرج الدولة ومهندسيها ( الصقور والحمائم ) ، وقد شاءت الأقدار والظرفية ، الوبائية والجيوستراتيجية الإقليمية والدولية ، ان تبرز امام النظام المغربي ( الطبعة الثانية من هندسة العهد الجديد ) إمكانية قراءة موازين القوى في ضوء التحولات الجديدة ، فبغض النظر عن انفضاح هشاشة بنيات الصحة والأمن والإقتصاد ، بالدرجة الأولى ، فإن علاقات التضامن والتعاون وما يؤطرها من تعاقدات وتوافقات تعود إلى سنوات الحمايات والاستعمار التقليدية ، عرفت تصدعات وتوترات ، وتصاعد الوعي بالنسبة لبعض الدول النامية بأن الوقت قد حان من اجل فك الارتباط الإذعاني بالدول العظمى والمؤسسات المالية والشركات المتعدية الجنسيات ، و بتحويل عقود التبعية وتأمين الحدود إلى عقود شراكة . وإن تنامي هذا الحس لدى المغرب هو ما جعل بعض أوروبا العجوز تشعر بانفلات الضبط وخيوط الهيمنة والنفوذ الاحتكاري ، خاصة على مستوى القارة الإفريقية ، كمجال خصب للتنمية والاستثمار . فرغم أن لهذا التكيف الانتقالي كلفته والتي ستكون باهضة ، فإنه ينبغي تعزيز المكتسبات على المستوى الأمني وتحرير القرار المالي في العلاقة مع الحلفاء التقليديين ، والذي ندرجه في سياق تصفية رواسب وفلول الاستعمار ؛ وذلك بتصفية البيئة في العلاقة مع دول الجوار ، من أجل تفويت الفرصة على بعض الدول الأوروبية التي تعتبر المغرب الكبير مجالها الحيوي بامتداداته الاقتصادية والأمنية ، فباسم خلق التوازنات فيما بين دوله ، يتم التوصية والدفع بدعم تونس والجزائر مقابل تعطيل عجلة نمو ونماء المغرب ، وما حملة التجسس سوى ” حق ” أريد به باطل ، مما يستدعي يقظة قصوى لمواجهة هذا التشويش على مسار الاستقلال الثاني ، ولربما يقتضي الأمر الاستفادة من ” زمن ” الوضع المقلق في كل من تونس والجزائر ؛ باعتبار “عناية ” وانشغال المانيا وفرنسا بما يجري في شمال افريقيا ، ناهيك عن فزاعة زحف اسرائيل على المنطقة ، وقرار عودة الولايات المتحدة الامريكية إلى المنطقة باستعمال الورقة الحقوقية ، وتعامل المغرب معهما دون الوساطة التقليدية لفرنسا . والآن وقد تغيرت المواقع القانونية والتعاقدية ، فإنه ينتظر أن تشتد الحملة على المغرب من الزاوية الحقوقية وفي ارتباط وثيق مع ملفات التجسس على الحيوات الخاصة والمعطيات الشخصية للمسؤولين السياسيين والفاعلين في مجال الحقوق والحريات والتعبير ، فليس مصادفة أن هذه القضايا هي التي سوف تتصدر جدول أعمال دورة شتنبر لمجلس حقوق الانسان بجنيف ، وللامر تداعياته من حيث الإحراج والابتزاز .
فهل ستفتح الدولة ، بكل عدل وإنصاف ، إمكانية تجديد التوافق مع شرفاء الوطن باستكمال حلقات التسوية السياسية المؤطرة بمقتضيات العدالة الانتقالية على أساس اقرار ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة الناتجة عن الاستعمار و ما تلاه من بعده وفي العلاقة مع الجوار المتعدد وفي إطار سلمي ومتنور …؟