(مقاربة كيفية الانتقال من نسق الجريمة إلى نسق الظاهرة )
لا نرغب في التأثير على القضاء أو توجيهه ، ولكن وجب التذكير أن العدالة تقتضي مزيدا من الحياد وتكثيف التجرد ، فالردع ملازم للحقيقة إنصافا واعترافا ، حماية للحق العام ،فليست كل الحالات متماثلة على الصعيد الوطني والعالمي ، ولا يكفي النظر إلى الأمور من زاوية ” مناهضة العنف ” ضمن سياق مناسباتي ، ولكن أيضا من زوايا كثيرة أهمها أن الظاهرة بنيوية ، وسوسيولوجيا وسيكولوجيا قبل القانون ، هي قضية مساواة وليست مسألة ذكورية حكرا ، قضية تتطلب ضرورة فحص مدى توفر أو انعدام الرضائية في أي ممارسة ، بمعنى أنه لامناص من طرح سؤال التشاركية الواعية لدى الراشدين والراشدات .
صحيح أن لاستغلال النفوذ دوره الحاسم في منحى الإجبار والغصب ، غير أن القصد الجنائي لا يتوفر احيانا تلقائيا في الحالات الفريدة أو المعزولة ، فلابد من تواتر يوازي الممارسة الاحترافية في صيغة شذوذ أو تحرش متواصل ، ورغم إنه لماما ما تكون الممارسة تعاقدية تتأسس على نفس الهدف : الجنس مقابل النقط بالنسبة لأطراف و النقط تعويضا عن الجنس ؛ فإنه لعلاج الظاهرة يتطلب الأمر إعادة النظر في مفهومي الكفاءة والاستحقاق بإقرار مفهوم الجدارة وهو أعمق وأجدى ، وللأسف فالعملية تحتاج إلى نفس تربوي طويل باعتبار أن الظاهرة قديمة ومرتبطة بالغش والتدليس والتنتهازية والمظلومية والكبث الاجتماعي والإرشاء والتغرير ، وهي ظاهرة تنتعش كلما كانت العلاقات عمودية بمعناها التراتبي ، سواء في المعامل والحقول وكافة المؤسسات الانتاجية والتربوية الإدارية والجمعوية والإجتماعية وداخل الأسرة نفسها ، غير أن شكل هذه العلاقات لا يمكن الأخذ به كمبرر أصيل للإدانة ، سوى كظروف لتشديد الجزاء كلما ثبت عنصر إستغلال النفوذ وانتفى عنصر الرضائية ، وحينما لم يقابل هذا الاستغلال أي ابتزاز أو عاطفة أو مراودة على النفس او تحريض او استدراج .
والخلاصة أنه ينبغي مراجعة البواعث الجنائية عند تقييم السلوكات من أجل إعادة تحديد وتشريع وسائل الردع توفيقا عادلا بين مبدأ قرينة البراءة وبين مبدأ عدم الإفلات من العقاب ، وذلك بتحفيز وتأهيل مساطر التحقيق بدل إقرار مساطر الاتهام ، في زمن يطرح فيه مطلب جوهري على مستوى تأهيل وإصلاح المنظومة التربوية ؛ فكيف نؤهل الحق في التنمية بالتربية مع تحصين الحق في التنمية بالحرية .
مصطفى المنوزي: رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن