محمد فارس
[سمّوكَ يا عصر الظّلامِ سفاهةً * عصْر الضّياءِ وأنت شَرّ الأعصُرِ
وتقدَّمت فيكَ الحضارةُ حسْبَما * قالوا، فَيا وحْشية الـمُتحضِّرِ
وتنوّرتْ فيكَ العقولُ وإنّما * يقعُ الخرابُ بزلّةِ الـمُتنوّرِ]..
فأيُّ عصْر هذا الذي نعيش فيه ويوصفُ بالعِلم والحضارة والتّنور، وهو عصرٌ يعود بنا إلى البدائية والحيوانية وتَخبو فيه الأخلاقُ وتتداعى القيمُ ويَطغى الشّذوذُ ليصْبح علامةً من علامات [التقدّم] ومؤشّرًا على الحرية، والتفتّح وتقبُّل الآخر، ثم يا له من تقدُّم قد أتى بكلِّ بليّةٍ، يسيرُ نحو الموت بالمستبصِرِ؟ وقد يتساءل القارئ الكريم عن سبب هذه الأبيات التّشاؤمية، ولماذا سمَّيْنا هذا العصر بشرِّ الأعصُر؟ السّببُ في ذلك يعود إلى حَملة شعْواء ضدّ مسلمٍ ينادي ويدعو المسلمين بعدم مساندة من يساندون الشّواذَ في شرِّ الأعصُر.. لقد تمّت الموافقةُ على إقامة دَوْري لكرة القدم في [بريطانيا] يحمِل فيه كلّ لاعب شارةً لمساندة خنازير شرّ الأعصُر، فقام لاعبٌ سابقٌ في إحدى القنوات بدعوة اللاّعبين المسلمين إلى عدم حمْل هذه الشّارة خلال الدّوري، لأنّ دينَهم الإسلام يحرّم الشّذوذَ الجنسي والـمِثْلية تحريمًا قاطعًا، فقامتْ جهاتٌ بحمْلة مغرضة ضدّ هذا اللاّعب المسلم، وطالبتِ القناةَ بأن تَفْصِله وتعتذِر صراحةً عمّا دعا إليه، لكنّ المسلمين قاطبةً ساندوه، وشدُّوا أزرهُ فيما لم يتحدّثْ ولو عالمٌ واحدٌ ليذكِّر بما قاله الله عزّ وجلّ ونبيُّه الكريم بخصوص اللِّواط، وعقوبته والنّهي عنه.
والغريبُ في الأمر أن قنوات، بل أوكار إعلامية تقدِّم على شاشاتِها شواذّا يدَّعون أنّه ليس في الإسلام ما يحرِّم الشّذوذ صراحةً أو ضمنيًا، ونحن نسألهم عن أيِّ إسلام يتحدّثون؟ ونحن نسأل هذه القنوات عن عدم استضافتها لعلماء لِيفنّدوا ادّعاءات هؤلاء الخنازير.. ففي القرآن الكريم يُخْبرنا الله عزّ وجلّ عن قوم [لوط] وما حاق بهم من عذابٍ بسبب إتيانهم هذه الفاحشة، وتُخْبرنا الأحاديثُ الصّحيحةُ بما قاله رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم بخصوص اللِّواط، حيث قال عليه الصلاةُ والسلام: [مَن وجَدْتمُوه يعْمل عَملَ قومِ لوط، فاقتُلوا الفاعلَ والمفعولَ بِه]، وقال أيضًا عليه الصلاةُ والسلام: [إنّ أخْوف ما أخافُ على أُمّتي، عملُ قوْم لوط]، وصدق الله ورسولُه.. فهلِ العلماء والفقهاء لا يعْلمون هذا في الإسلام، فما الذي أسكتَهم وكأنَّ الأمر لا يَعنيهم حتى استحالوا بصمْتهم إلى شياطين خُرس؟! نحن نَعرف في كتب الأدب، وما هي منَ الأدب في شيء، تجد الخلاعة والشّذوذَ والتّغنّي بذِكر الـمُرد، والغِلمان شعرًا ونثرًا، يصِفون منهم الحواجب والعيون، وأولئك هم الظّرفاء، وأصحاب المكانة العالية في أتباعهم وأشياعهم كأبي نُواس، ومسلم بن الوليد وأمثالهما، حتى قلّدهم واتّبعَ سبيلهم جماعةٌ معروفون بالخير وحُسْن الاستقامة، ولا نريد الاستشهادَ ببعض كلامهم فننقل الشّر ونُعين عليه، لأنّ من أعان على معصية ولو بشَطْر كلمة فهو شريكٌ فيها؛ فمعذرة!
في كتاب [البداية والنّهاية] لابن كثير، أنّ [الوليدَ بن عبد الملك] قال: [لوْلا أنّ الله قصَّ علينا قصة قوم لوط في كتابه، ما ظننتُ أنّ ذكَرًا كان يأتي ذَكرًا كما تُؤْتى النِّساء]، ويضيف [ابن كثير] أنّ أعيانهم، وفقهاءَهم، وأغنياءَهم كانوا يمارسون الشّذوذَ الجنسي، وقد دبَّ الضعفُ في دولة العبّاسيين بسبب أنّ الخِصْيان كثيرًا ما كانوا يرْتقون في الدّولة إلى مصافّ الأمراء، وقد سئِل فقيهٌ كبيرٌ عن اللِّواط، فقال للسّائل: [الآن اغتسلتُ منه!]؛ وهذا قاضي القضاة والعالمُ الكبير [يحيا بن الأكتم] أباح الشّذوذ بتأويله للآية الكريمة: [ونُزوّجُهم ذُكْرانًا وإناثًا] وحاشا ذلك.. واليوم، في شَرّ الأعصُر ازدادَ الشذوذُ، وصار حرّيةً، وتحضُّرًا، وصارتْ له قوانين تبيحُه وتَحميه، فزادتْ [أوروبَّا] الطِّيـنَ بلّة بدعوى الحرية، ففشى اللّواطُ في العالم، وتحدّثت عنه الصحُف والقنواتُ الملعونة، وساندتْه في [فرنسا]، و[ألمانيا]، و[بريطانيا]، و[الولايات المتّحدة]، والدّول الإسكندناڤية، ورأوا، أخزاهُمُ الله، رفْعَ العقوبة عن اللِّواطة إذا جاوزَ الفردُ الحادية والعشرين من عمُره.. لقد رأيتَ كيف أباحه [أُوباما] في أوساط الجيش، وكيف صيَّر له [هولاند] قانونا يبيحه وقد دافع عنه [ماكرون] خلال حملته الانتخابية، وصار الشّذوذ تحضُّرًا، وحريةً في كافّة دول [أوروبّا] باستثناء [روسيا] التي منَع فيها [بوتين] تظاهرات الشّواذّ في بلاده.. ولكن الآن، تسرّبَ هذا الوباءُ إلى الدّول العربية والإسلامية، وصارت له جمعياتٌ تسانده، وتدعو إليه وتعتبره حرّيةً وانفتاحًا وصار دعاةُ الشّذوذ يتحدّثون صراحةً ودون استحياء، ومنهم من استُضيفوا في قنوات داعِرة، يتحدّثون بصراحة عن الفِسْق، ومنهم من نفَذَ إلى مؤسّسات بعض الدّول تساندُهم منظّمات هدّامة، وجمعيات هَدْم العُروش، وشخصيات معادية للدّين، والأخلاقِ، والشّرف، والمروءةِ؛ ودعاةُ اللِّواط أصبحوا هم المتنوّرين في شرِّ الأعْصُر..