كشفت دراسة حديثة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن ضعف التمكين الاقتصادي للنساء في القرى يكلف المغرب 2.2% من ناتجه الداخلي الخام، ما يسلط الضوء على الفجوة العميقة بين الخطاب الرسمي حول المساواة وواقع السياسات العمومية على الأرض.
الدراسة، التي جاءت تحت عنوان “تكاليف الفرص الاقتصادية والاجتماعية لتمكين النساء القرويات اقتصادياً”, أكدت أن نسبة كبيرة من النساء القرويات يعملن دون أجر، حيث تشكل المساعدات العائليات 60.3% من مجموع النساء النشيطات في الوسط القروي، في حين أن 70.5% من العاملات في القرى لا يحصلن على أي تعويض مالي، ما يعكس استمرار استغلالهن في أعمال غير معترف بها قانونياً أو اقتصادياً.
الأرقام الرسمية تشير إلى أن عدد النساء القرويات بلغ 6.67 مليون نسمة سنة 2024، أي 49% من مجموع سكان القرى، إلا أن نسبة كبيرة منهن تظل خارج الدورة الاقتصادية بسبب ضعف الفرص وانعدام السياسات الدامجة.
الدراسة أوضحت أن 57.2% من النساء القرويات في سن العمل (15-59 سنة)، لكن معظمهن غير مدمجات في سوق الشغل بسبب الفجوة الجندرية وضعف مستويات التعليم.
في هذا السياق، بلغ مع الأمية في صفوف النساء القرويات 48.4%، مقابل 27.9% لدى الرجال القرويين، ما يعكس استمرار الفشل في تعميم التعليم في الأرياف، رغم المبادرات الحكومية المتعددة في هذا المجال.
ورغم أن معدل تشغيل النساء القرويات يصل إلى 21.9%، وهو أعلى من نظيره في المدن (13.7%)، فإن الدراسة أكدت أن هذا الرقم مضلل، حيث إن غالبية هؤلاء النساء يعملن دون أجر أو حماية اجتماعية، ما يجعل التوظيف في القرى أقرب إلى الاستغلال منه إلى التمكين الاقتصادي.
الدراسة سجلت أيضًا أن 61.8% من الشابات القرويات بين 15 و29 سنة لا يدرسن ولا يعملن ولا يحصلن على أي تكوين، مما يجعلهن ضمن فئة NEET (أي خارج التعليم والعمل والتدريب).
أما النساء القرويات الحاصلات على مؤهلات تعليمية، فإن 38% منهن يعانين من البطالة، في مؤشر واضح على ضعف ربط التكوين بسوق الشغل وغياب رؤية حكومية واضحة لإدماج هذه الفئة.
ورغم إطلاق العديد من برامج الدعم والتنمية القروية، فإن الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش لم تنجح بعد في خلق نموذج اقتصادي فعال يدمج النساء القرويات في الدورة الإنتاجية.
هذا الوضع يدفع بأعداد متزايدة منهن إلى الهجرة نحو المدن بحثًا عن فرص اقتصادية أفضل، غالبًا في ظروف عمل هشة وغير مضمونة، مما يكرس انتقال المرأة القروية من هامش الريف إلى هامش المدن دون أي تحسن حقيقي في أوضاعها.
إلى جانب الأبعاد الاقتصادية، سجل التقرير تحولات سوسيوديمغرافية مهمة، من أبرزها انخفاض سن الزواج الأول منذ 2010، وارتفاع نسبة العزوبة بين النساء القرويات بعد سن الخمسين، إلى جانب معدل خصوبة أعلى من المدن (2.37 طفل لكل امرأة)، لكنه يسير نحو التقارب بين المجالين.
هذه التحولات تعكس تغيرات اجتماعية صامتة في بنية الأسرة القروية، في ظل غياب سياسات عمومية تأخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار.
في ختام الدراسة، اقترحت المندوبية السامية للتخطيط مجموعة من التوصيات، من بينها تحسين البنية التحتية، توسيع الخدمات الأساسية في القرى مثل التعليم والصحة والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى تشجيع ريادة الأعمال النسائية، ودعم التكوين المهني للفتيات القرويات.
كما شددت على ضرورة إصلاح السياسات الاجتماعية وتحيين القوانين لضمان حقوق النساء العاملات في الأرياف.
لكن، ورغم وجاهة هذه التوصيات، فإن العديد من المراقبين يشككون في قدرة الحكومة على تنفيذها، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية وميزانيات كافية، ما قد يجعل هذه المطالب مجرد توصيات أخرى تُضاف إلى أرشيف الدراسات دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.