محمد فارس
كان الغربيون إلى وقْت قريب، يغْبطوننا على أخلاقنا وقِيَمِنا التي تَتَحكّمُ في سلوكنا، وكانوا يُعْجبُون بتكريسِنا لِديننا، وتشبُّثنا بتقاليدنا، وكان السائحُ الأوروبّي إذا أتى إلى بلادنا، فإنّه يحترِم الأعراف المتّبعة في البلاد، ويحترم التقاليد، بل كانت هناك توصيات تعطى له على شكل كتيِّب تجعله يَحترم مشاعر المغاربة، وبالجُملة، فإننا كنّا متفوّقين عليهم في الأخلاق، والآداب، والسّلوك، وبهذه الأخلاق حرّرنا البلاد من نيْر الاستعمار، وتفوّقنا في الجهاد الأصغر، ودخلنا الجهاد الأكبر، فهل نجحنا فيه وكتب لنا الله عزّ وجلّ التوفيق؟ الجواب: كَلاّ! والسّؤال: لماذا؟ لأنّنا تخلّيْنا عن الأخلاق الـمُثْلى التي كانت تميِّزنا وبهذه الأخلاق والقيم كنّا نتفوّق على الأوروبّي، ولكن عندما تساويْنا مع الغربيين في مساوئ الأخلاق، بل فُقناهم في الرذائل والآثام، بقي لهم فَضْلُ العلوم وميزة التكنولوجيا، واستوردْنا منهم عدّة أشياء برعُوا فيها مثل الديمقراطية، ولكنّ الديمقراطية عندما صارت مجالاً للغشّ، والخداع، والكذب، والتزوير، صارتْ هذه الديمقراطية وبالاً علينا لأنّها خلَتْ من الأخلاق والنّزاهة والشّفافية، ومع ذلك ما زِلتَ تسمع إعلام التّضليل ينادي بتخليق الحياة السياسية وبدمقرطة المؤسّسات، وهو يتناسى أنّ وسائله الإعلامية تضرب الأخلاقَ وتنسف القيمَ وتبثُّ برامج تُنتج جمهورًا تافهًا ومشاهدين ألفوا المجّانية واللّهْو بسبب سُبات العقل..
لكن دَعْنا أولا نحدّد معنى الأخلاق ودَوْرها في المجتمع، فما هي الأخلاق؟ الأخلاق في اللغة جمع خُلق، وهو العادة، والسجية، والطبع، والمروءة، والدين.. وعند القدماء، ملكة تصدرُ بها الأفعالُ عن النفس من غير تقدّم روية وفِكر وتكلّف.. وقد يُطلق لفظُ الأخلاق على جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودَة كانت أو مذمومة، فتقول: فُلان كريم الأخلاق، أو سيِّئ الأخلاق، وإذا أُطلقَ على الأفعال المحمودة فقط، دلّ على الأدب، لأنّ الأدب لا يُطلق إلا على المحمود من الخصال.. وهناك ما يسمّى علم الأخلاق، أو فلسفة الأخلاق، أو الحِكمة العَملية أو الحِكمة الخُلُقية.. ولمعرفة ما يجبُ على الإنسان فعله لبلوغ السعادة، تكلّم الفلاسفة على طبيعة الوجدان، والضّمير، وطبيعة الخير، والعدل، والواجب، وبنوا جميع المفاهيم الخُلقية على الأسس المستمدة من مبادئهم الفلسفية.. وهناك ما يسمّى (المذْهبية الأخلاقية) وهي ضدّ (المذهبية اللاأخلاقية) التي فشَت في العالم، والتي تُنْكر قيمَ الأخلاق وتحطّ من شأنِها وتدعو إلى التّجرد منها وتلك عندهُم هي الحرّية، والحداثة، والتقدم، وهي كلّها أمور تَهْبط بالإنسان إلى الحضيض، وتجعله لا يصلُ حتى إلى مستوى الحيوانية..
إنّ أعداء الأخلاق أو كما يسمّيهم بعض المفكرين: [الـمُخَرّبون] تشمل خطواتُهم الأولى، تفكيك روابط الأُسرة، وإثارة الأولاد على سلطة الآباء، وقد أدخل (المخرّبون) في روع الأطفال أن آباءهم، هم جيْلٌ رِجْعي متأخّر، وأنّ الأخلاق هي الأصلُ في الأمراض النّفسية، والتّوتّرات العصبية؛ وتأتي خطوتُهم التالية، وهي إزالة احترام الدّين وعدم العمل بتعاليمه، وترْك الأخلاق والقيم التي ينصُّ عليها.. وهناك خُطوتهم الثالثة هي أنّه لا يوجد شيء في السّياسة اسمُه الأخلاق، ولكن هناك مصالح وكفى، لذا تجد السّياسي اليوم لا يَلتزم بما وعد به الشّعب خلال الحملة الانتخابية، ولا يخجَل من نفسه وهو يَكذب على الناس، ومن السياسيين من يعتَبر المواطنين مجرد قطيع، وقد تجد السّياسي يَسكُتُ عن الفساد، أو يبرّره أو يدعو إليه دون ضمير، أو مروءة، وقد تجده منغمسًا في الرّذيلة حتى الأذنين، ولا يخجل من ذلك؛ وهنا تحضرني قوْلة للكاتب الروسي الشّهير [دوسْتُويْڤسْكي]: [إذا كان الله غيرَ موجود، فكلّ شيءٍ مُباح]؛ وهكذا، إذا غاب الله من الأنْفُس والضّمائر، وتداعتِ الأخلاقُ والقيمُ وهي الدّرع الواقي للمجتمع، فكلّ رذيلةٍ تُصْبح طبيعية، ومن السّاقطين من يتباهون بالرّذائل مثل الشّذوذ، والعلاقات الرضائية، والخمر، والزّنا، وكل أنواع الفِسق والمآثم، أمّا الكذبُ الذي هو أفظع من الخمر والزّنا، فإنّه صار مألوفًا ومطلوبًا يمارسه السّياسي الفاشل، والتاجرُ الفاجر، بل حتى الصّغار تعلموه من الكبار عندما يوصي الأبُ ابنَه بالكذب على أمِّه عندما يعودان إلى البيت.. وهناك رجال الدّين الذين أمسوا بلا مصداقية، ولا يتعاطون بخطاب جديد ومؤثّر لهذه القضايا الأخلاقية التي تهدّد الأمةَ وتسيرُ بها إلى مصير مجهول.. وآخر ما نختم به هذه المقالة، هو قول الشاعر: [ولا تجْلسْ إلى أهْل الدَّنايا * فإنّ خلائقَ السّفهاءِ تُعْدِي]..