اتضح جليا أن ما قلناه سابقا هو الحقيقة. فالحكومة ليس عليها رقيب من البرلمان، وفي أول يوم بعد أن ابتلع عزيز أخنوش، رئيس “تجمع المصالح الكبرى”، الأحزاب التي حصلت على مقاعد مهمة، قلنا بأن البرلمان لا يمكنه أن يمارس الرقابة على الحكومة لأن الأغلبية الحكومية هي نفسها الأغلبية البرلمانية، وبما أن البرلمان بدون معارضة، باعتبار أن جزء منها مطرود إلى هذا المعسكر وجزء لا يعرف أصلا معنى المعارضة وثالث ما زال بفكر كيف يخرج من أزمة السقوط، وبالتالي فإن هناك هيمنة مطلقة على البرلمان.
ويضاف إلى تماهي الأغلبية البرلمانية والحكومية وغياب المعارضة، غياب الفهم والمعنى للممارسة البرلمانية، فطرف يفهمها على أساس أنها صراخ في وجه الحكومة وطرف يفهم أنها تصفيق لكل ما تأتي به الحكومة، بينما هي رقابة على عمل الحكومة، وسجل مركز للدراسات في تقرير علمي أن هناك غيابا تاما لرقابة البرلمان على عمل الحكومة، بل سجل ما هو أفظع وأخطر، ألا وهو غياب هذه الرقابة عن صرف ميزانية الحكومة.
أصبح مشهورا بشكل كبير أن دور البرلمان ينتهي بمجرد المصادقة على قانون المالية، الذي تتداخل في التصويت عليه كثير من المصالح، لكن بعد ذلك يجهل الجميع كيف يتم صرف تلك الميزانيات التي صادق عليها البرلمانيون، حيث الوزراء “مطلوقين على أربعة” ليفعلوا ماشاؤوا بميزانياتهم، وهناك ميزانيات لا تعرف كيف تخرج من الوزارة.
مثال بسيط وزير الثقافة والشباب والتواصل قام بترحيل معرض الكتاب بالدارالبيضاء كما بترحيل الكثير من المهرجانات إلى الرباط، وهذا يقتضي رفع الميزانيات، فهل يعرف البرلمانيون ذلك؟ طبعا؟ وزير العدل قام بتجديد مكتب، وما كان ينبغي له ذلك لأنه كان مكتبا للمغفور له محمد الخامس، فهل يعرف البرلمانيون كم صرف عليه وهل يحق له ذلك أم لا؟ ووزراء يسافرون شرقا وغربا شما وجنوبا بالداخل والخارج ويصرفون الملايين من ميزانية الدولة، فهل يعرف البرلمانيون ذلك أم لا؟
المؤكد أن البرلمانيين لا يعرفون ذلك وفي الغالب ليس تجاهلا وإنما جهلا بالقوانين وما يقتضيه من شروط لصرف الميزانية. في كثير من الدول يقوم البرلمان بتوقيف صرف الميزانية إذا اقتضى الأمر ذلك، وتلجأ الدولة للاستدانة من أجل أداء أجور الموظفين.
لكن البرلمان المغربي لا يهمه ميزانية شعب يتم التصرف فيها كأنها مال سائب لا حارس له. البرلمان هو الحارس الأول للمال العام وبعده تأتي باقي المؤسسات. لكن في حالتنا النائب البرلماني وشقيقه المستشار لا يهمهم ماذا يفعل الوزراء بالميزانية، وكل همهم طرح أسئلة خارج السياق، والمهم منها هو أن يظهر البرلماني في التلفزة أثناء بالث المباشر وهو يصرخ في وجه الوزراء تم يلتقيه في أروقة المجلس وكأن شيئا لم يقع، لأن المهم هو الناخب الذي يرى ممثله بالمجلس صارخا في وجه الوزير أما أن يتصرف الوزير في الميزانية على هواه فهذا ليس من مهامه.