في خطوة استراتيجية جديدة لتعزيز موقع المغرب على خارطة السياحة العالمية، وقّع المكتب الوطني المغربي للسياحة، الإثنين، اتفاقية شراكة مع شركة الطيران الصينية “تشاينا إيسترن إيرلاينز”، أحد أكبر الفاعلين في مجال النقل الجوي بمنطقة آسيا – المحيط الهادئ.
الاتفاقية التي أشرفت على توقيعها وزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور، تأتي في إطار الانفتاح التدريجي للمغرب على السوق الصينية والآسيوية عمومًا، وترمي إلى توسيع الربط الجوي المباشر وتحسين الحضور التسويقي للمملكة في هذه السوق الصاعدة.
رهان على التنويع والتكامل
بحسب المعطيات الرسمية، ستُترجم الاتفاقية إلى خطة عمل تسويقية تشمل حملات ترويجية رقمية وميدانية، وتنظيم زيارات استطلاعية للصحافيين والمؤثرين من الصين، مع التركيز على إبراز المقومات الثقافية والطبيعية التي يزخر بها المغرب.
وفي تصريحها بالمناسبة، أكدت الوزيرة عمور أن الاتفاق “يجسد رؤية المغرب الرامية إلى تنويع الأسواق السياحية وتعزيز الحضور في آسيا، التي باتت تُمثل إحدى أكبر روافد السياحة العالمية”، مشددة على أهمية التعاون مع شركات طيران كبرى لتيسير الوصول إلى السوق المستهدفة.
من جانبه، اعتبر أشرف فائدة، المدير العام للمكتب الوطني للسياحة، أن الشراكة “تندرج ضمن التوجه الاستراتيجي للمملكة الرامي إلى تثبيت المغرب كمحور سياحي ومركز جذب عالمي”، مضيفًا أن “الربط الجوي الفعّال يعد شرطًا جوهريًا لإنجاح هذا الطموح”.
نحو مليون سائح صيني في أفق 2030
تشاينا إيسترن، التي تدير أسطولاً يفوق 820 طائرة وتربط أكثر من ألف وجهة، شرعت منذ مطلع 2025 في تشغيل خط يربط شنغهاي والدار البيضاء عبر مرسيليا، ومن المرتقب إطلاق خط مباشر بين المدينتين في أكتوبر المقبل، بمعدل ثلاث رحلات أسبوعيًا، في خطوة تعزز التواصل الجوي بين البلدين، إلى جانب خط بكين – الدار البيضاء الذي تؤمنه الخطوط الملكية المغربية.
وترى السلطات المغربية في السوق الصينية فرصة واعدة، خصوصًا أن السياح الصينيين يُبدون اهتمامًا متزايدًا بالوجهات الثقافية والمناخ المعتدل، وتُظهر دراسات المكتب الوطني للسياحة ارتفاعًا في نوايا السفر نحو شمال إفريقيا.
ويطمح المغرب إلى استقطاب مليون سائح صيني بحلول سنة 2030، وهو رقم يتجاوز بكثير الأعداد التي سُجلت قبل الجائحة، والتي لم تتعدَ 150 ألف سائح سنويًا في أفضل السنوات.
السياحة في خدمة التقارب الحضاري
يرى مراقبون أن الانفتاح المغربي على الصين لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يعكس رغبة الرباط في تعزيز التقارب الحضاري عبر الترويج لتجربة سياحية تجمع بين الأصالة والحداثة، وتتيح للزوار الصينيين اكتشاف فسيفساء ثقافية غنية تشمل المعمار الأندلسي، وفن الطبخ المغربي، والمدن العتيقة المصنفة ضمن التراث العالمي.
كما تشكّل الاتفاقية جزءًا من إستراتيجية أشمل تهدف إلى تعزيز الربط الجوي كمُحفز أساسي للنمو السياحي، خاصة في ظل المنافسة المتزايدة بين دول المنطقة على اجتذاب الأسواق الجديدة، وفي مقدمتها الأسواق الآسيوية.
تحديات ما بعد التوقيع
رغم الأهداف الطموحة، يقر مسؤولو القطاع بأن إنجاح هذه المبادرة يمر عبر معالجة تحديات لوجستية وتنظيمية، منها تسهيل الحصول على التأشيرة السياحية، وتكييف العرض الفندقي والخدماتي مع انتظارات الزبون الآسيوي، فضلاً عن تعزيز الكفاءات اللغوية في القطاع السياحي.
كما يبقى عنصر الاستقرار السياسي والبنية التحتية المتطورة عنصرين حاسمين في تعزيز ثقة الأسواق الدولية، خصوصًا وأن المستثمرين الصينيين أصبحوا أكثر انتقائية في وجهاتهم بالخارج، كما يشير مختصون في المجال.