أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن إصلاح نظام الصرف يمثل خيارًا استراتيجيًا لا محيد عنه لتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني، مشددًا على أن هذا التحول يُعد من أعمدة الاستقرار الماكرو-اقتصادي ويأتي في سياق الرؤية الملكية الرامية إلى التحديث الهيكلي لمكونات المنظومة الاقتصادية.
وفي كلمة ألقاها أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، الإثنين بالرباط، أبرز الجواهري أن المملكة “لم تشرع في هذا الإصلاح إلا بعد استيفاء كافة المتطلبات التقنية والمؤسساتية”، موضحًا أن الانتقال يتم وفق مقاربة تدريجية حذرة لتفادي أي ارتدادات قد تمس بالاستقرار النقدي أو القدرة الشرائية.
إصلاح بتكلفة سياسية ولكن بفوائد استراتيجية
اعتبر والي بنك المغرب أن نظام الصرف الجديد “حجر الزاوية” في السياسة النقدية، مشيرًا إلى أنه “يتحكم بشكل مباشر في عدة مؤشرات حيوية، مثل التنافسية، وحجم الاستثمارات الأجنبية، واستقرار الأسعار، وتطور المبادلات التجارية”.
وأكد الجواهري أن التعديل التدريجي لهذا النظام، الذي بدأ منذ سنة 2018، يُسهم في توسيع هامش تحرك الدرهم مقابل سلة العملات، ويمنح للاقتصاد الوطني قدرة أكبر على امتصاص الصدمات الخارجية، مثل تقلبات أسعار الطاقة أو الأزمات التجارية العالمية.
ولم يفت المسؤول النقدي التأكيد على أن التنسيق مع وزارة الاقتصاد والمالية وصندوق النقد الدولي كان حاسماً في صياغة خارطة الطريق، إذ تتم مراقبة الإصلاح بشكل دوري من قبل بعثات الصندوق، التي توصي بتسريع الانتقال نحو نظام صرف أكثر مرونة.
خلفية الإصلاح: مؤشرات مشجعة وسوق تتطور
من جانبه، أوضح يونس عصامي، مدير العمليات الاقتصادية والصرف ببنك المغرب، أن المرحلة الجديدة من الإصلاح تستند إلى معطيات “مشجعة”، تشمل اتساع دور العرض والطلب في تحديد سعر الصرف، واستقرار معدلات التضخم، وتراكم احتياطات مهمة من العملة الصعبة.
وشدد عصامي على أن القرار سيادي، وتم التحضير له منذ سنة 2007 في إطار مؤسساتي مشترك، حيث “لم يكن الهدف أبدًا هو تحرير كامل وفوري لسعر الصرف، بل السير التدريجي والمنضبط نحو نظام أكثر كفاءة وشفافية”.
إصلاح تقني مع حساسية اجتماعية
بدوره، حذّر محمد التعموتي، مدير الدراسات الاقتصادية بالبنك، من التسرع في الانتقال إلى المرحلة التالية دون ضمانات قوية على مستوى السيطرة على التضخم، وتعميق سوق الصرف، وتوفير أدوات فعالة لإدارة المخاطر من قبل القطاعين العام والخاص.
ولفت إلى أن نجاح الإصلاح مشروط بإحداث بنية مؤسساتية متماسكة، تشمل أدوات التحوّط، وآليات اليقظة والتحليل، وتدخلات مرنة من طرف البنك المركزي لضمان استقرار سعر الصرف وتفادي المضاربات.
الرهانات المقبلة
يُجمع خبراء اقتصاديون على أن إصلاح نظام الصرف في المغرب ليس فقط ضرورة فنية مرتبطة بتطور السوق، بل استحقاق استراتيجي يفرضه تنامي انفتاح الاقتصاد الوطني على الأسواق الدولية، ورغبة المملكة في تعزيز تموقعها كمركز مالي إقليمي، لا سيما في ظل التحولات الجارية في سلاسل التوريد العالمية، وحركية الرساميل.
غير أن ذات الخبراء يؤكدون على ضرورة مواكبة هذا المسار بإجراءات داعمة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل ما قد يرافق الإصلاح من تقلبات سعرية مؤقتة في بعض المواد المستوردة.
يمضي بنك المغرب في تهيئة الأرضية لما يمكن اعتباره مرحلة ثانية أكثر تقدمًا من إصلاح نظام سعر الصرف، ضمن توجه عام نحو تحرير مرن ومسؤول. وبين الحذر المالي والدينامية الإصلاحية، تراهن الرباط على أن يتحول هذا الإصلاح إلى أداة دعم للنمو، واستقطاب للاستثمارات، وتعزيز للمناعة النقدية، بشرط الإبقاء على توازن دقيق بين ضرورات السوق وأولويات الاستقرار الاجتماعي.