لعل الأمر الذي لا يختلف عليه إثنان، بل توحدت عليه كلمة المسلمين حتى وهم يعيشون التناقضات السياسية، هو الإدانة الصارخة لسماح الحكومة السويدية بإحراق نسخة من المصحف الشريف، وكان موقف المغرب صارما حيث قام باستدعاء السفير المغربي قصد التشاور وهي عبارة في الديبلوماسية تعني أن الأمور قد تذهب إلى أبعد الحدود، وهناك دول ومنظمات وشخصيات فكرية أدانت هذا الفعل الشنيع ومنها شخصيات مسيحية ومفكرون علمانيون، لكن الاستثناء خرج من المعارضة الاستثنائية بالمغرب.
المعارضة الاستثنائية والجذرية (من الجُذري) اختارت أن تكون منفردة، حيث اعتبر المعطي منجب، الذي لا يعجبه العجب في هذه البلاد، أن يدافع عن اللاجئ العراقي الذي أحرق نسخة من المصحف الشريف معتبرا ذلك مجرد حرية رأي، وتابعه على ذلك فؤاد عبد المومني، الذي لا يكل من انتقاد السماء بينما في الأرض يساند محكوما بقتل طالب يساري.
وقالت العرب قديما “وافق شن طبقه”، ويقول المغاربة “طاح الحك ولقى غطاه”، مثل حب على الوحدة غير المفهومة، بينما جماعة العدل والإحسان، التي يتلخص مشروعها في الخلافة، وبين “معارضين” يساريين ولا دينيين، ويدافع هذا عن الآخر ويرفع هذا القبعة لذاك، ولم تكن المصالح معروفة جيدا.
اليوم بعد هذا السقوط الحر تبين بالملموس أنه لا الجماعة تؤمن بمبادئ معينة ولا حلفاؤها يؤمنون بشيء أصلا، لكن يجمع بين الطرفين أمر واحد: بغض هذا الوطن وكراهيته والحقد عليه واستدعاء الأجنبي واستعداؤه ضد مؤسسات البلاد، فالمغاربة لا يتفقون في كثير من الأمور لكن لا يقبلون أن يمس أحد “الثالوث المقدس”.
المعطي منجب بتصريحه المساند للمتطرف العراقي السويدي يكون قد فقد آخر ما تبقى له في هذه البلاد، حيث مس الشعور العام، واليوم ها هي جماعة العدل والإحسان، تتورط في السكون عن جريمة لا تقل عن جريمة إحراق نسخة من المصحف الشريف، ألا وهي جريمة نشر حوار مع المتطرف المذكور بقناة ريفيزيون، التي يعرف الغادي والبادي، أنها مرتبطة بجماعة العدل والإحسان بشتى الطرق، حيث تخصصت هذه القناة في كيل الشتائم للمغرب، لكنها تخصص حيزا وافرا للجماعة ولأعضائها.
ويعتبر القيادي في الجماعة عمر إحرشان ضيفا قارا على برنامج “المغرب في أسبوع”، وهي كلها برامج مخصصة لسب المغرب وتشويه سمعته، وهي موجهة بالأساس للخارج، لكن بعد الحوار، الذي تورط فيه منجب والمومني، سكتت الجماعة، التي تعرف أن “الساكت عن الحق شيطان أخرس” وهل هناك حق أكثر من إدانة إحراق نسخة من المصحف الشريف فما بالك بمن تواطأ عبر سكوته؟
جماعة العدل بما أنها قد أفلست سياسيا وإديولوجيا، ولم يعد لديها ما تقدمه، وفقدت كاريزما مؤسسها، الذي لم يعوضه العبادي في شيء حيث ظهر رجلا بسيطا للغاية، تراهن على الموتورين من بقايا اليسار، الذي باعوا رفاقهم قبل أي واحد آخر، فقد تخلوا عن أيت الجيد بنعيسى الطالب اليساري يطوفون بلائحة تضامنية مع قاتله وفق قرار المحكمة الاستئنافية بفاس، ومن باع رفيقه قادر على بيع كل شيء إن كان له أصلا ما يبيع، حيث تشبت مفلس بمفلس.
لكن هذا السقوط الحر ستكون له تداعيات وتبعات باعتبار أن العدل والإحسان لم يكن لها مشروع سياسي واضح ودائما تقدم نفسها جماعة دعوية بأفق سياسي، وإذا لم تكن الدعوة ذودا عن كتاب الله فما تكون إذن؟ وإذا لم تكن الدعوة انتفاضة للمصحف الشريف فماذا تعني إذن؟
غياب الجماعة بداية عن الحدث، وهي التي تركب على كل كبيرة وصغيرة للظهور، وسكوتها ثانيا عن جريمة نشر الحوار وهي جريمة بحد ذاتها، سيسقط عنها حتما كل ادعاءات تعلقها بالدعوة الإسلامية وتبنيها للمنهاج النبوي، بل أضحت اليوم جزءا لا يتجزأ من حرب ثقافية تقودها جهات ضد الإسلام، الذي تزعم الجماعة الدفاع عنه وتجديده.
فها نحن عشنا حتى رأينا أن التجديد يبدأ من السكوت الشيطاني عن جريمة شنيعة، تتمثل في إحراق نسخة من المصحف الشريف، وممالأة جُهّال من بقايا اليسار والعمل على عدم إزعاجهم مقابل دعمهم للجماعة وفتح عيونها على المنظمة المناوئة للمغرب.
لا يمكن أن ننتظر من الجماعة رد فعل إلا إذا ارتفع حجم الغليان داخلها، وإلا فإنها ستدس رأسها في التراب ولا يهمها أن تظهر سوأتها مادام رأسها لا يرى، وتنحني للعاصفة تم تعود للاستفادة من خدمات القناة المتطرفة “ريفيزيون”.