رشيد لزرق
عشنا مرحلة الشعبوية مع مرحلة دستور 2011 ، ومع ذهاب الياس العماري و شباط و بنكيران كنا ننتظر ذهاب لشكر ونبيل بنعبد الله والعنصر وساجد، الان هل عودة بنكيران تؤشر على عودة مرحلة الشعبوية؟
فالشعبوي هو من يتلاعب بأفكار الناس لغايات سياسية، وتتعدد هذه الغايات وفق قدرات الشعبوي نفسه وما يتيحه الجو العام من إمكانات لتوظيف مثل هذا الأسلوب في صياغة شكل الحياة السياسية، وأهم ضحية للشعبوية هو المنطق، لأن الشعبوي مخادع ويمارس المغالطة مثلما يرشف آخر جرعة في كأسه ولو كان كأس شاي، ولا يرف له جفن وهو يمارس الادعاءات الكبيرة، التي لا يستطيع تحملها ساعة الجد، وفي الغالب هو يمارس نقيض ما يؤمن به، لأنه راديكالي في اتجاه معين.
صحيح ان الوضع قد تغير كثيراً خصوصاً مع زيادة الوعي الجمعي بمخاطر الشعبوية، إلا أن مثل هذه المتغيرات تشكل خطراً حقيقياً على الساحة السياسية، التي من المفترض ان تتجه نحو الوضوح السياسي لتشمل قطب يساري يفترض فيه بروز قيادات جديدة قادرة، بجيل جديد و باسلوب جديد، على اعطاء مدلول سياسي للتداول حول السلطة، بتناول ديمقراطي، بعيدا عن مرحلة الشعبوية التي كانت قياداتها تمتهن مختلف اشكال العنف اللفظي والحروب الطاحنة.
قمة الأداء السياسي لدى الشعبويين هو الحروب اللفظية، التي لا تسعى بتاتا لتحقيق توازن في المشهد السياسي، ولكن يكون الغرض منها هو خلط الحابل بالنابل، حتى لا يعرف المواطن من هو الذي يقود الحكومة من يعارضها، ومن له برنامج ومن له جمل إنشائية كبيرة في اللسان خفيفة في الميزان لا تساوي حبة خردل في معيار التقييم.
الحقيقة ان مبرر بروز ادريس لشكر كان تحت مبرر مواجهة شعبوية بنكيران بشعبوية تقابلها، كلنا نتذكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الذي بشر بمعارضة صدامية بغاية مواجهة بنكيران ضدا على دعوات الوضوح وتأسيس قطب يساري لمواجهة الحكومة المحافظة، وللأسف، فان الشعبوية جعلت المشهد السياسي ينحدر، حيث اضعف المؤسسات وغاب الوضوح في السياسة بصعود قيادات امتهنت التكتيك السياسي، هذا الوضع جعل قيادات الشعبوية تنقلب على هويات أحزابها.
عودة بنكيران ينبغي مواجهتها بالوضوح السياسي من خلال بروز أقطاب سياسية تعطي للسياسة مضمونا حقيقيا، بذهاب القيادات الفاشلة ومواجهتها باحزاب المؤسسة، والجيد ان المواطن اصبح مدركا لافلاس السياسي. لهذا فان الابقاء على هذه القيادات هو من يغدي بنكيران و قوى التدين السياسي للعودة لتصدير تناقضاتهم الداخلية للخارج.
لقد ساهم الشعبويون في إذكاء روح احتقار السياسة من قبل المواطنين، الذين وجدوا فيها مجرد حلبة للتناقر والتدابر، بما يعني أن هم المواطن هو آخر ما يفكر فيه السياسي المطبوع بهذا الأسلوب البئيس، ولا يمكن إعادة المصداقية للمشهد السياسي دون إفراغه من القادة الشعبويين لفائدة سياسيين يؤمنون بمنطق التداول الديمقراطي دون إقصاء.