“الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”، “قبل الوقت ليس الوقت وبعد الوقت ليس الوقت، الوقت هو الوقت”، كلها مقولات تتحدث عن قيمة الوقت في حياة الفرد و عن أهميته ودوره في تحديد مصير الإنسان، لكن قليل مما يأخذ هاته القيمة بمحمل الجد ومن هنا يأتي التماطل و التكاسل و التسويف!
ومع عصر السرعة و عصر المعلوميات والأنترنيت الذي في ظاهره تقليص العناء ومساعدة الأشخاص على استغلال الوقت بشكل إيجابي ، ترى البعض يأخذه الوقت أخذ عزيز مقتدر ، فيجد يومه قد انقضى و لم ينجز فيه و لو الشيء القليل، ولم يستفد البتة من الهدية الربانية التي تعطى له كل يوم؛ و هي الوقت !
فتجد الواحد منا منذ أن طلعت شمسه وهو في غياهب وسائل التواصل الاجتماعي، يحاول معرفة ماذا فعل هذا، و ماذا ارتدت هاته ..، وأين ذهب ذلك ومتى حلت تلك …؟ فلا يكاد يلتفت يمينا وشمالا حتى ترى رصيده من الساعات الصباحية قد اضمحلت وولت دون عودة، وأن معدته تعلمه بحلول وقت الغذاء، فبعد أن يتناول وجبته وتبدأ فطنته في التثاقل وتقل مردوديته ربما سيأوي إلى فراشه لأخذ قسط من القيلولة أو لربما سيستأنف عمله أو دراسته ، كل حسب موقعه و كل حسب انشغالاته، و يأتي الليل، الكل يخلد إلى النوم ولربما هذا الشخص نفسه يقلب الصفحات الإلكترونية الواحدة تلو الأخرى ومن موقع إلى آخر، ويحرم نفسه حتى من راحته البيولوجية والوقت الكافي للدماغ لاسترجاع أنفاسه، فيكون هذا الشخص بمثابة أداة تخريبية لعقله وجسمه دون أن يحس، ومع مرور الزمن الذي يمر كالبرق ، يجد نفسه إنسانا لا يغذي روحه ولا حياته بشيء نافع بل حتى تجده منزويا دون علاقات اجتماعية حقيقية بقدر ما عنده من العلاقات الوهمية الافتراضية، وهذا أكبر أنواع الجهل؛ الجهل بقيمة الوقت في زمن السرعة ، و كما يقول المثل الشهير؛ “يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه “، بمعنى آخر، و بلغة الأرقام ، كل يوم تفتح لك مؤسسة بنكية 86400 درهم ، وتضعها في حسابك ، و التي يمكن أن تتصرف بها كما يحلو لك لكن هناك شرطان يجب الإلتزام بهما :
أولا يجب عليك أن تصرف كل ما يعطيك هذا البنك في اليوم الواحد ، و لا يمكنك أن تذخر بعضا من هذا المال في مكان آخر ، لكن في المقابل كل يوم جديد في حياتك يضخ لك في رصيدك 86400 درهم .
-ثانيا ، هاته المؤسسة البنكية يمكن أن توقف هاته اللعبة متى شاءت و في أي وقت و دون سابق إنذار !
إذن ما العمل ، من الذكاء أن تستثمر كل فلس في شيء يعود عليك بالنفع و أن تستغل كل درهم و تعرف بقيمته لأن هاته الفرصة لا تعوض أليس كذلك ؟ !
والمفاجأة هي أن كل واحد فوق هاته الكرة الأرضية يمتلك هذا الرصيد البنكي العجيب وهو الوقت ! كل يوم تشرق فيه الشمس يدفع في حسابك 86400 ثانية للحياة و كل يوم نحن على قيد الحياة يدفع لنا نفس الرقم إلى أن نفاجأ بإغلاق شباك الحياة و هو القرار الحاسم؛ قرار اللاعودة ، قرار الموت !
فماذا نفعل بثوانينا المعدودة اليومية ، في ماذا نستغلها و كيف نستغلها هل في تنمية عقولنا أو تخريبها هل في تجميل حياتنا أو تعتيمها ؟ هل في مراقبة حياة الأشخاص على مواقع التواصل الإجتماعى أو الإشتغال على نجاحاتنا و تقدمنا ؟
ومن المؤسف أن تجد في عصر السرعة و مع تقدم العلوم و المعلوميات وتوفر الوسائل والآليات المراد بها تنظيم الوقت ، تجد قليلا من الناس من يضع خطة يومه ، أو جدولا ينظم فيه وقته حتى تتضح له معالم النهار بل تجد الأغلبية منغمسة في فوضاوية عارمة تكاد تفتك بالمجتمع ككل و تجر عليها وابلا من الأمراض ، من أبرزها مرض العصر “الإكتآب” ، وهذا المرض الفتاك الذي سنخصص له مساحة في مقالاتنا القادمة ، والذي يحول حياة الفرد إلى جحيم ، خصوصا الفرد الذي تنطفئ عنده استشعار حلاوة الحياة ، ويفقد معناها فيغمره الروتين القاتل ويحطمه العجز و الكسل . وقد قال الله جل و علا في هذا الباب :” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ، لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ” سورة المؤمنون 99-100
ومن هنا تعرف أن للوقت قيمة لا يضاهيها شيء في الحياة ، و أن الوقت ليس من ذهب فحسب بل هو ذهاب شيء من عمر الإنسان .
سناء البوعزاوي