في الدول العريقة ديمقراطيا والتي أحزابها تحترم نفسها وذكاء شعوبها ، عند زلة أي مسؤول أو كادر سياسي لديها فأقل ما يمكن أن يفعله الحزب هو إلحاقه بالمجلس التأديبي وإعطائه إنذار بعد أن يعتذر عن خطئه أمام العامة.مهما كان حجم المسؤول ومهما كان يتقلد من مناصب.أما في الحزب الذي كنا نعتقد مجيءه للخلاص من سوء تدبير النفقات وكشف الفساد والعمل على التقليل من حدته في دولة لازالت ترسم خريطة الوصول إلى ركب الديمقراطيات العريقة مع الرغبة في توسيع العمل السياسي ليصل إلى أكبر شرائح المجتمع .يكون الحزب نفسه عقبة في تمرير التغيير السلس في مفاهيم السياسة بالبلاد .
ففي الوقت الذي فتح النقاش بالمجلس التشريعي حول تصفية معاشات البرلمانيين، قام مسؤول من الحزب الحاكم بالتعبير عن رفضه لهكذا نقاش معتبرا أن سبب إثارة هكذا نقاش في الرأي العام ينبع من الشعبوية التي وعد للتصدي لها ،مع العلم أنه في السياق نفسه دافع عن تعدد المناصب والتعويضات عليها.ما أثار موجة ساخطة على مواقع التواصل الإجتماعي عليه .
وفي يوم السبت 17 أكتوبر وبمؤتمر حزبي للعدالة والتنمية بفاس ،-حيث يترأس المعني الجهة المنظمة للقاء- وفي خضم النقاش الدائر حول القوانين الإنتخابية، ودونما أدنى مبرر قفز رئيس الحكومة على النقاش في محاولة للتغطية على زميله بالحزب لرأب الصدع وتغيير مسار النقاش ليخفف من درجات الإستهجان العالية التي سببها المسؤول المعني عن نفسه بمواقع التواصل الإجتماعي. إلى درجة أن فيسبوكيي حزب المصباح لم يجدوا ما يغطونه إعلاميا عن أحد قيادييها ، لفرط الهفوة التي أسقط نفسه بها .
بالفعل ،فقد كان رئيس الحكومة متحمسا لإشعال الحرب إلاعلامية على الكل بعد فشله في فرض وجهة نظر حزبه على باقي الشركاء حول التقسيم الإنتخابي بما فيهم حزب الجرار المتضرر الثاني في حال خفض العتبة .فرئيس الحكومة مثله مثل باقي قيادات حزبه تتغير الأشكال والوسائل ،ويبقى الحزب بصيغته القديمة الجديدة .فقد عبر السيد رئيس الحكومة صراحة أن أطرافا إما سياسية أو إعلامية أو لوبيات لا تتعامل مع اللحظة بهذا المنطق، وأضاف أن الهجومات التي يتعرض له حزب العدالة والتنمية وقيادته، أحيانا بالأكاذيب والأخبار الزائفة وبتحريف الكلام عن مواضعه وقصه ولصقه، وقد إعتبر متحديا أيضا أن ذلك لن يؤثر من عزم الحزب في أن يمضي في طريقه كما عرفه المغاربة، وكما هو معروف في الساحة السياسية.
لكن وبمجرد سماع تصريحات العثماني وهو يلقي باللوم على جهات هنا وهناك ، يخيل إليك أن كلام زميله في الحزب رئيس جهة فاس مفبرك ،وكأنها منسوبة لزميله . والحال أنه بدل الرقي من مستوى النقاش العمومي وأخذ زمام المبادرة في تسليط الضوء عن القضايا التي تهم الأمة.وبدل حجم تلك التصريحات الغير محسوبة والتي تلقي بصاحبها نحو دنو مستوى السياسي والثقافي للحزب الذي يمثله ،عودنا حزب العدالة والتنمية للهروب إلى الأمام بدل الإعتراف بزلاته ،لا لشيء سوى أنه يحسب كل من ينتمي إليه غير قابل للمساءلة ولو في مواقع التواصل الإجتماعي ،والتي تعتبر الفضاء الرحب لكل صوت يعبر عن اعتراضه لتدني المستوى السياسي للأحزاب والأكيد أن هذا المستوى يضر بصورة البلاد بالخارج .
ودون أدنى ريب فإن توسيع دائرة الطبقة السياسية لا يكون إلا عبر إقبار تعدد المناصب .فكيف يعقل أن تجد برلماني ورئيس جهة في آن، أو وزيرا ورئيس جماعة في الآن نفسه .و كأن الأحزاب لا تحتوي على كفاءات تعول عليها فكيف يعقل لأحزاب لم توسع دائرة مسؤوليها ، أن تجذب كفاءات من خارجها .وكيف لمن يفكر في حياته المادية بعد تمثيليته التشريعية، أن يكون مجهزا لتحمل المسؤوليات الآنية للأمة.
بوبكر الديش