في كل مرة يتم فيها الإعلان عن تحقيق تقدم على مسار إنجاز مشروع “قناة إسطنبول” العملاق، وهو ممر مائي اصطناعي موازي لمضيق البوسفور سيربط البحر الأسود ببحر مرمرة، إلا ويتجدد الجدل السياسي والمجتمعي حول هذا المشروع الأضخم في تاريخ تركيا الحديثة؛ والذي لن يغير، في حال استكماله، ملامح المدينة وبيئتها ومشهدها العمراني فحسب، بل سيشكل علامة فارقة في تاريخ النقل البحري الدولي.
أكثر من مجرد مشروع شق قناة بأهداف استراتيجية يضمن الريادة لتركيا على الساحة الدولية، إنه “المشروع المجنون” الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية وازنة تختبر قدرة حاملي لواءه على الصمود ومواصلة خطوات تنزيله على أرض الواقع.
عودة النقاش السياسي والمجتمعي حول “قناة إسطنبول” مجددا إلى الواجهة ترجع إلى تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع المنصرم، على المضي قدما في تنفيذ المشروع الذي بلغ مرحلة طرح المناقصات بإقبال محلي وعالمي، ليرد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو أنه لا يمكن، إطلاقا، إنجاز مشروع سيغير وجه المدينة ضدا عن رغبة ساكنتها، وتوظيفه لغايات انتخابية.
ومما يؤشر على تحول مشروع القناة إلى قضية سياسية ساخنة تختبر موازين القوى بين قطبي الحكومة والمعارضة بتركيا، إعلان وزير الداخلية سليمان صويلو، مؤخرا، فتح تحقيق قضائي مع أكرم إمام أوغلو ل”استغلاله المرافق العامة للبلدية للترويج لحملته المعارضة لشق القناة”.
** قناة إسطنبول.. خلاف بحجم ضخامة المشروع
تعكس حدة النقاش، الذي لا يكاد يهدأ حتى يشتد من جديد، المواصفات الضخمة للقناة التي أعلن عنها الرئيس التركي سنة 2011 عندما كان رئيسا للوزراء، ضمن مشاريع عملاقة بإسطنبول وصفها “بمشاريعه المجنونة” ستضمن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، منها جسر السلطان سليم، ومطار إسطنبول الثالث.
ثلاثة مشاريع متكاملة للبنية التحتية لإسطنبول؛ فالأول، جسر بقيمة 3 ملايير دولار فوق مضيق البوسفور بأبراج أعلى من برج “إيفل”، تم افتتاحه رسميا سنة 2016، أما الثاني فهو مطار إسطنبول الجديد، الذي افتتح سنة 2018 ويتوخى خدمة 200 مليون مسافر سنويا عند تشغيل مدرجاته الستة، أكثر من أي مطار آخر في العالم؛ لكن المشروع الثالث يتفوق على الجسر والمطار من حيث التكلفة والحجم، وأيضا قوة الجدل المثار حول جدواه الاقتصادية والسياسية والبيئية.
اقتصاديا، ينتقد معارضو المشروع التكلفة الباهضة المقدرة لإنجازه، معتبرين أنه سيشكل عبئا ثقيلا على اقتصاد تركيا المنهك أصلا، على وقع التداعيات الاقتصادية لفيروس “كوفيد – 19” والتدهور المتواصل لليرة.
وحسب توقعات رسمية تقدر تكلفة مشروع قناة إسطنبول، التي ستقام غرب الشق الأوروبي للمدينة، ب25 مليار دولار، إذ من المخطط أن يتراوح طولها ما بين 45 و50 كلم، بعمق 25 مترا وعرض 150 مترا على السطح و120 متر في قاع القناة؛ ومن المقرر بناء موانئ بحرية ومنطقة حرة، وأرصفة طوارئ بالقناة لضمان حركة آمنة لمرور السفن، والاستجابة لحالات الطوارئ في حال وقوع حادث أو تعطل.
مجسم المشروع، القريب من مطار إسطنبول، يتضمن إقامة أزيد من 6 جسور تصل بين طرفي القناة يحمل أحدها سكة حديدية، ومدينة نموذجية ذكية على ضفتي القناة بمجمعات سكنية جديدة للحد من مشكلة الكثافة السكانية المتزايدة التي تعاني منها المدينة