لابد من التنويه بداية بأن شغب الأطفال طبيعي وهو من صميم وضعهم الزمني ومرحلتهم العمرية، لكن شغب الكبار الشبيه في شكله بشغب الأطفال هو ثقافي من صميم تكوين “الفاسد”، لأن المفروض أن يزداد الإنسان نضجا وألا يعود إلى الوراء ويرتكس خلفا، وما رأيناه في البرلمان من تراشق بكلام لا يليق بالمؤسسة التشريعية، وتبادل لغة “التقاشر” و”الكراطة” هو نزول بالمجلس أسفل سافلين، إلى حد فاق وصف السيرك، الذي أطلقه ذات زمن المرحوم الحسن الثاني.
وإذا كانت كثرة الهم تُضحك فإننا في حاجة إلى مؤسسة تعلم الوزراء كيف يتصرفون، وقبل أن يتم تعيينهم يُفرض عليهم “سطاج” لمدة معينة، حتى يتعلموا أبجديات الوزارة، المختلفة تماما عن باقي المؤسسات، ويتعلموا أنها مجرد مؤسسة لتدبير الشأن العام وليست سلطة لتصفية الحسابات وليست سيفا مصلتا يغازل رقاب المواطنين وليست منصبا يصبح معه الوزير “جاسوسا كبيرا” يعرف جوارب الرجال وحاملات الصدر عند النساء، دون التوغل فيما هو أكثر، وليست سلطة اتهام ومتابعة.
الطريقة التي يتعامل بها كثير من الوزراء تشبه طريقة مشاغبات الأطفال في الشارع وفي القسم.
المغاربة لا ينتظرون معارضة تهتم بتقاشر الوزير وتنسى ما يحاك ضد المواطن من مخططات تدميرية ذات طابع متوحش، تتعلق بكثرة الضرائب ورفع الأسعار، ولا ينتظرون معارضة هدفها هو أن يقال إنها أحرجت الحكومة، ولكن معارضة تتصدى لقرارات الحكومة غير الشعبية وغير الاجتماعية.
والمواطنون لا يريدون وزيرا يعرف “تقاشر” المسؤول المحلي ولا “حاملات صدر” المسؤولة الفلانية ولا أشياء أخرى، ولكن يريدون وزيرا يعرف أن يضع قدميه وهو يتحرك، ويريدون وزيرا يرعى المصلحة العامة، ولا يفكر فقط في الانتخابات القادمة، ولا يريدون وزيرا متعجرفا لأن زمن العجرفة انتهى وسيصطدم بمواطن تعلم أن الدولة المغربية بقامتها الضاربة عمقا في التاريخ أقرت النهج الديمقراطي المبني على حرية الاختيار وعلى حقوق الإنسان وقبل ذلك ووسطه وبعده كرامة المواطن المغربي.
عجرفة وزير العدل وهو يزور البلدية التي يترأسها بدون مناسبة وإهانته لمسؤول حكومي لم يصل لمنصبه بسرعة البرق كما هو شأن الوزير الذي أصبح أمينا عاما لحزب عمره عشر سنوات وهو لم يكن أصلا من مؤسسيه ولا من مناضليه الأوائل، هذه العجرفة مضرة بصورة المغرب الديمقراطي والحقوقي. المسؤول الحكومي يصل إلى هذا المنصب عن طريق الجهد. وربما هذه عقدة أخرى لدى وهبي.
لا ينبغي للبرلمانيين أن ينتقصوا من أعضاء الحكومة، لكن مهما كانت طريقة تصرفهم تبقى مبررة بكونهم يمثلون الشعب، لكن الوزير ينبغي أن تكون كلماته محسوبة، ولا يحق له الانجرار إلى أي استفزاز وأن يجيب عن أسئلة واعتراضات البرلمانيين مهما كانت، لكن أن ينحط إلى هذا المستوى “الطفولي” فإن الأمر صعب للغاية، وعلى من يهمه الأمر التدخل لوضع حد لشغب “أطفال” الحكومة.