في سياق يتسم بتنامي التحديات أمام الصحافة المهنية واستشراء خطاب التضليل والمعلومة الزائفة، خلد منتدى الإعلام والمواطنة، إلى جانب شركائه في الداخل والخارج، اليوم العالمي لحرية الصحافة، الموافق للثالث من ماي من كل سنة، مجددًا التأكيد على مركزية حرية الإعلام كشرط لازم لبناء مجتمع ديمقراطي تعددي قائم على المواطنة والعدالة.
واختار المنتدى، وهو هيئة مدنية تُعنى بتقاطع الإعلام مع الشأن العمومي، أن يجعل من شعار منظمة اليونسكو لهذا العام – “الصحافة في وجه التضليل… الحقيقة أولًا” – مدخلا لإعادة طرح أسئلة جوهرية حول واقع حرية التعبير بالمغرب، وحول الحاجة إلى إصلاح عميق للمنظومة الإعلامية، بما يكفل استقلاليتها وفعاليتها في مواجهة التحديات الجديدة.
حرية الإعلام… من الاحتفاء الرمزي إلى الالتزام المؤسسي
وجاء في البيان الصادر عن المنتدى أن حرية الصحافة “ليست امتيازًا ممنوحًا، بل شرط وجود للعدالة والمواطنة والديمقراطية”، في تأكيد على أن الإعلام المسؤول لا يمكن أن يزدهر إلا في بيئة قانونية وسياسية تضمن الحماية للصحافيين وتحررهم من ضغوط النفوذ المالي والسياسي.
وفي هذا الإطار، دعا المنتدى إلى فتح نقاش وطني شفاف حول ورش إصلاح الإعلام، يرتكز على التوازن بين الحرية والمسؤولية، مع إعادة الاعتبار لأخلاقيات المهنة، وتوسيع أدوار الإعلام العمومي ليكون فضاءً للتعددية والانفتاح، وليس مجرد ناقل للخطاب الرسمي.
التضليل… تهديد جديد يتطلب يقظة جماعية
وحذر المنتدى من تصاعد منسوب الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية، خاصة على وسائط التواصل الاجتماعي، مشددًا على أن الصحافة المهنية تظل أحد الحصون الأخيرة في مواجهة هذه الظواهر التي تقوّض النقاش العام وتعطل الممارسة المواطِنة.
وفي هذا السياق، أكد البيان أن تعزيز ثقافة “المواطنة الإعلامية”، ولا سيما لدى الناشئة، أضحى ضرورة ملحة، داعيًا إلى إدماج المهارات الرقمية وأخلاقيات الإعلام في المنظومة التربوية، وتثمين التجارب المواطِنة المستقلة التي تنتصر للحقيقة وتدمج أهداف التنمية المستدامة.
التزام حقوقي ومهني في مواجهة الانتهاكات
ولم يغفل المنتدى الإشارة إلى التضحيات الجسيمة التي يبذلها الصحافيون في سياقات الصراع والقمع، مخصصًا تحية إجلال لضحايا الصحافة في فلسطين المحتلة، حيث يُستهدف الصحافيون يوميًا في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
وطالب المنتدى بضمانات قانونية ومؤسساتية لحماية الصحافيين داخل المغرب، وتوفير بيئة عمل آمنة ومنصفة، تقوّي مناعتهم ضد مختلف أشكال الضغط والمضايقة.
نحو تجديد العهد مع المهنية والكرامة
وختم المنتدى بيانه بدعوة إلى تحويل هذا اليوم من مناسبة احتفالية رمزية إلى لحظة تأمل جماعي وتجديد للعهد مع الحرية والكرامة والمعرفة، في زمن تتداخل فيه التفاهة مع التسلية، وتتعاظم فيه الحاجة إلى إعلام جاد، يُعيد التوازن للوظيفة الأصلية للصحافة، كسلطة رقابية تضطلع بدورها في بناء دولة الحقوق والمؤسسات.