شدد إبراهيم الفاسي الفهري رئيس معهد أماديوس، على أن منتدى “ميدايز” في نسخته الخامسة عشر مناسبة للتطرق لعدد من الرهانات التي تسائل قدرتنا الجماعية على بناء عالم أكثر صمودا وعدالة وإنصافا وتضامنا، منوها بأن ميدايز صار، أكثر من أي وقت مضى، “منتدى الجنوب” ومنصة لتبادل الأفكار والتعاون، مفتوحة امام الفاعلين الراغبين في المساهمة في تشييد نظام عالمي جديد أكثر توازنا وشمولا.
و ذكر الفاسي الفهري بنداء طنجة الصادر عن دورة السنة الماضية للمنتدى، والذي شكل مرحلة مهمة في البحث الجماعي عن اتحاد إفريقي أقوى وأكثر اتحادا، أكد الفاسي الفهري أن هذا النداء شكل دعوة لطرد كيان الجمهورية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، الأمر الذي يندرج في سياق دينامية قارية ودولية مواتية تسود فيها الواقعية والبراغماتية، مشيرا إلى أن هذا الأمر شرط أساسي لاستعادة حيادية ومصداقية الاتحاد الإفريقي بخصوص قضية الصحراء المغربية.
و أكد الفهري، على أن الالتزام المتزايد بإفريقيا لصالح القضية الوطنية، من خلال فتح قنصليات متعددة للدول الشقيقة بمدينتي الداخلة والعيون، يدل على حيوية الحوار الإفريقي والرغبة المشتركة لتجاوز الانقسامات الموروثة عن حقبة ماضية، من أجل بناء مستقبل مزدهر لقارتنا.
في معرض حديثه عن الوضع في غزة ، جدد الفاسي الفهري التأكيد على التزام منتدى ميدايز بدعم حل عادل ومتوازن ومقبول لإقامة دولتين، دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية، تعيشان جنبا إلى جانب وفق حدود 1967، والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مبرزا أن هذا الموقف مستلهم من موقف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، الذي ما فتئ يعمل من أجل السلام والعدالة بالمنطقة، ومن اجل كرامة الشعب الفلسطيني الشقيق، الذي له كامل الحق في أرض حرة ومستقلة وذات سيادة.
و اعتبر الفاسي الفهري أن برنامج هذه الدورة من المنتدى غني ومتنوع، حيث سيتطرق إلى عدد من الأزمات الجيو-سياسية والاقتصادية والبيئية التي تشكل واقعنا العام، مشيرا إلى أن هذا الحدث يوفر فرصة لاستكشاف حلول مبتكرة ودائمة، وتقوية العلاقات جنوب -جنوب وجنوب-شمال، وتسليط الضوء على استراتيجيات الاستثمار من أجل تنمية شاملة ومستدامة.
من جهته، توقف وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، عند الطبيعة المعقدة والمتغيرة لعالم اليوم، والمتسمة بتعدد الأزمات، المناخية والطاقية والاقتصادية والسياسية، معتبرا أن المغرب، في مواجهة هذا الواقع المتغير، بلور إجابات موثوقة ومنسجمة.
و أكد الوزير على أن المغرب، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، اعتمد العديد من الاستراتيجيات القطاعية التي مكنت، على سبيل المثال، من بلوغ إنتاج 38 في المائة من المزيج الطاقي من موارد نظيفة، وبناء اقتصاد قوي ومتنوع ومتوجه نحو التصدير ومهن المستقبل، مبرزا أن المغرب عمل دوما من أجل إرساء السلام والتعايش والتسامح لتسوية الأزمات.
أما المبعوث الخاص للحكومة الصينية للشرق الأوسط، زهاي جون، وفي معرض حديثه عن شعار المنتدى “أزمات مركبة، عالم متعدد” ، فقد ذكر بأن الصين، في مواجهة التغيرات الجارية منذ عقود، طرحت مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، مشيرا إلى أن هذه المبادرات ترسم طريقا واقعيا لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية ومواجهة التحديات الأمنية الكونية، كما تسعى لتعزيز التواصل والتعاون الإنساني والتقارب بين شعوب العالم لبناء المستقبل المشترك للإنسانية.
و سجل رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، أنه في وقت الأزمات، تبرز الحاجة إلى التعاون المتين بين البلدان، والذي يمكن من رفع التحديات بشكل أكثر فعالية، مضيفا أن تقاسم الموارد يفتح إمكانية الاستجابة للأزمات بشكل استباقي.
واعتبر أن التعاون متعدد الأطراف والتنمية المشتركة تعزز قدرة البلدان على رفع صمودها في مواجهة الأزمات، وعلى اكتشاف الفرص وتحفيز النمو الاقتصادي وإحداث الثروة وفرص الشغل.
أما رئيس مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، عمر مورو، فقد اعتبر أن منتدى ميدايز اختار لهذه السنة موضوعا راهنا بالنظر إلى توالي الأحداث والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، لاسيما في دول الجنوب، معتبرا أن من شأن مناقشات وآراء أرباب القرار والخبراء أن ترسم معالم طريق تساهم في توحيد الإنسانية.
وجرى حفل الافتتاح الرسمي للمنتدى بحضور رئيس جمهورية ساوطومي وبرانسيبي، السيد كارلوس فيلا نوفا، ورئيس وزراء دومينيكا، السيد روزفلت سكيريت، ووزير خارجية هنغاريا، بيتر زيجارتو، وعدد من الشخصيات.
ويشارك في هذه الدورة من منتدى ميدايز، الذي يعتبر من التظاهرات الجيو-استراتيجية العالمية والبارزة بإفريقيا والعالم العربي، أكثر من 200 متحدثا رفيع المستوى، بما في ذلك صناع القرار السياسي ورجال الاقتصاد، لعرض تحليلاتهم وآرائهم حول قضايا راهنة أمام أكثر من 5000 مشارك من حوالي 100 بلد.
وخصص اليوم الأول من ميدايز، الذي يضم هذه السنة أكثر من 50 جلسة نقاش، إلى “قمة ميدايز للاستثمار”، والتي تعتبر فضاء متميزا بين عوالم السياسة والاقتصاد.
ويشكل المنتدى مناسبة من أجل مناقشة مواضيع من قبيل التكامل الاقتصادي والبنيات التحتية والصناعات والتعليم والتربية والتنمية المستدامة والطاقة، لاسيما وأنه ينعقد عشية قمة “كوب 28”.
كما سيسائل المشاركون في الأيام الثلاثة الأخرى قضايا على صلة بالنظام العالمي الجديد ، الذي ترسم ملامحه بصعود مراكز قوى متعدد، من قبيل الصين وروسيا والهند، والتي صارت تنازع هيمنة الولايات المتحدة والغرب عامة.
و اكد المشاركون تحت عنوان “الاستثمارات والبنيات التحتية والصناعات: إعادة تعريف أم إنعاش أم إعادة انطلاق؟”، إلى أن تطوير البنيات التحتية يشكل محركا مهما لجذب الاستثمار وتحقيق الاندماج الاقتصادي في إفريقيا.
و شكلت هذه الندوة، المنعقدة في إطار قمة منتدى “ميدايز” للاستثمار، فرصة للمتدخلين والخبراء لتسليط الضوء على أهمية تحديث شبكات الطاقة، وأنظمة النقل، والخدمات اللوجستية، والاتصالات لتعزيز روابط التبادل التجاري على المستوى القاري، وتطوير المناطق الاقتصادية، والقطاعات، والأنشطة ذات الإمكانات العالية.
كما سلط المشاركون الضوء أيضا على أهمية التصنيع المستدام، والممارسات الاقتصادية النظيفة، واعتماد تكنولوجيات جديدة وإطار قانوني مناسب للاستثمارات طويلة المدى، والحصول على التمويل لتحسين مناخ الأعمال، فضلا عن تعزيز التجارة بين البلدان الإفريقية.
وفي هذا الصدد، أشارت مستشارة البنك الدولي، كلير دافان، إلى أن الأزمات المتعددة التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة، وأبرزها جائحة كوفيد-19، والصراعات السياسية التي خلفت أضرارا جانبية متسارعة على مستوى القارة الإفريقية، بما في ذلك المخاطر المرتبطة بندرة المياه والنظم الغذائية والصحة العامة.
وأوضحت السيدة دافان أن معالجة معادلة إفريقيا في مواجهة أكبر أزمة تواجه البشرية، تتطلب إنشاء وسائل الصمود في فترات الأزمات، وتكوين الموارد البشرية، والتكيف مع التغيرات المناخية والديموغرافية، مشيرة في هذا الاتجاه إلى حالة جنوب إفريقيا التي تتوفر على عدد مهم من الساكنة النشيطة في العالم، حيث أن ما يقرب 17 في المائة من السكان تقل أعمارهم عن 30 سنة.
وتابعت أنه من المتوقع أن يتضاعف هذا العدد خلال السنوات المقبلة، وهو ما يتطلب الإعداد على مستوى البنيات التحتية والارتقاء بأنظمة التعليم والتكوين.
من جانبه، أكد مدير السياسات العامة والشؤون الحكومية لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في شركة “محرم وشركاؤه”، بنيامين أروندا، أن تطوير البنيات التحتية في إفريقيا يتطلب زيادة الاستثمارات المخصصة للإسكان الميسر وتمويله.
كما دعا البلدان الإفريقية إلى تمهيد الطريق للنمو الديمغرافي من خلال تحديث سياسات الإسكان، والتحول إلى التكنولوجيات الجديدة لتسريع عمليات البناء وتحسين نوعية السكن، وأيضا من خلال خلق التمويلات الموجهة لهذا الغرض.
ومن جهته، أوضح رئيس مجلس إدارة “ميدز” ، محسن السمار، أن “ميدز” تدعم الاستراتيجيات القطاعية لتحسين جودة البنيات التحتية وتحديد القطاعات ذات القيمة المضافة العالية جدا أو الإمكانات العالية، وتساعد المستثمرين على تطوير خطة أعمالهم، وضمان ربحيتها، مشددا على أهمية تسهيل الإجراءات لتشجيع الاستثمارات.
وأكد السيد السمار أنه لا داعي للقلق بشأن صيانة البنيات التحتية وإدارتها، وأن هناك حاجة للاستماع النشط والاستباقي للسوق والتوقعات التي يعبر عنها المستثمرون، لا سيما في مجالات السيارات والطيران والاستعانة بمصادر خارجية، وقطاعات الهندسة والأغذية الزراعية لزيادة معدل الاندماج.
من جهة أخرى، أكد وزير الدولة المدير العام لوكالة ترقية الاستثمارات والأشغال الكبرى بجمهورية السنغال، عبد الله بالدي، أن مبادرة خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا تشكل فرصة هائلة، ويفضلها العديد من الدول من أجل تطبيق الإصلاحات وتشجيع الاستثمار.
ويعد تطوير نماذج الاستثمار المبتكرة وتطوير شبكات الطرق من العناصر الأساسية لتغيير نماذج الاستثمار في إفريقيا.