نظّمت أكاديمية المملكة المغربية، يوم الخميس 23 يناير 2025 بمقرها في الرباط، ندوة دولية إحياءً للذكرى الأولى لرحيل عضو الأكاديمية عباس الجراري، تحت عنوان “الثقافة والتراث بين الخصوصية والكونية”. الحدث كان مناسبة لاستحضار الإرث الغني لهذا العالم الموسوعي الذي كرّس حياته لخدمة الثقافة والفكر والأدب المغربي.
في كلمته الافتتاحية، وصف عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة، الراحل الجراري بأنه كان نموذجاً للعالم الموسوعي والمثقف الملتزم، الذي منح حياته للعلم بأصالة الفكر وروح التجديد وصدق الالتزام الوطني. وأكد أن الجراري تميّز برؤية نقدية شاملة تناولت قضايا التراث والثقافة، ما جعله مرجعاً في الدراسات الأدبية المغربية والأندلسية، والفكر الإسلامي، والتراث الشعبي.
وكان الراحل الجراري يدعو إلى تحقيق توازن فكري بين الخصوصية الثقافية والانفتاح على الكونية. فقد أكد أن الخصوصية الثقافية ليست انعزالاً عن العالم، بل قدرة على التعبير عن الهوية الثقافية بطرق تعزز الحوار الإيجابي مع الثقافات الأخرى. وأشار إلى أن التراث العربي الإسلامي، بما يحمله من قيم أخلاقية ومعرفية، يشكل ركيزة لبناء مستقبل ثقافي قادر على مواجهة تحديات العصر. كما حذر الجراري من الانبهار الأعمى بالكونية، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الوعي الثقافي لفهم قيمة التراث.
وتميز الجراري باهتمام خاص بالأدب المغربي عبر العصور، حيث أبرز دوره في تجسيد الهوية الوطنية والحفاظ على الخصوصية الثقافية. ومن أهم إنجازاته إعادة الاعتبار للقصيدة الزجلية، التي طالما كانت مهمّشة في الدراسات الأدبية، عبر أطروحته “القصيدة” ومشروع “موسوعة الملحون”، الذي ساهم في توثيق هذا التراث الأدبي العريق وصيانته للأجيال المقبلة. هذه الجهود أسفرت عن إدراج الملحون ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني العالمي لمنظمة اليونسكو.
وأكد لحجمري أن التعليم يمثل حجر الزاوية في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية، داعياً إلى اعتماد مقاربات مبتكرة تمكّن الطلاب من التفاعل مع تراثهم وإعادة تفسيره بطرق تواكب التحديات المعاصرة.
واختتم لحجمري كلمته بالتأكيد على أن عباس الجراري كان علماً بارزاً من أعلام الفكر والثقافة المغربية، أسهم بدراساته العميقة في إبراز الخصوصية الثقافية للمغرب وتعزيز الحوار الثقافي والانتماء الإنساني المشترك، تاركاً إرثاً فكرياً وثقافياً سيظل نبراساً للأجيال المقبلة.