محمد فارس
قد يعْجب القارئ الكريم من هذا العنوان الغريب، وفي الواقع، هو عنوان مقتبَس من أغنية فنّان ملتزم بقضايا الأمّة، وبهموم الـمُواطن العربي عامّة، ففي هذه الأغنية يقول: [أنا موش كافر، بسِّ الجوع كافر؛ أنا مُوش كافر، بسِّ المرض كافِر؛ أنا موش كافِر، بَسِّ الفقر، والذّل كافر؛ لكن شُو بَعْمِل لِي إذا اجتمعوا في كلِّ الإشْيَا الكافْرِين.. يا اللِّي بِتْصَلّي الأحد، يا اللِّي بِتْصَلّي الجمعة، وقاعَد تَفْلح فينا على طول الجمعة؛ راجْعُوا الكتُب السَّماوية، راجْعُوا كلام القادر..].. هكذا تمَّ أداؤُها بلهجة لبنانية.. وهذا الخطاب نلقيه لرئيس الحكومة [أخنوش] والزّمرة الفاشلة التي تشكّل حكومتَه الضّعيفة، ونحنْ نعرف أنّهم لن يقْرؤُوا المقال، وحتى إذا قرؤُوه لن يفهموه، وحتى إذا فهموه، لن يعْمَلوا به، لأنّ لهم اهتماماتٍ أخرى تشدُّهم وتَحجِبُ عنهم حقيقة الواقع.. لقد ذكر هذا الفنانُ الملتزم الجوع، ثمّ وصفه بأنّه كافر، لأنّ مع الجوع يتخلّى الجائع حتى عن الدّين، وعنِ الوطنية، وعن القِيَم؛ وهذا الإمام [عليّ] كرّم الله وجهه يقول: [كادَ الفقر أن يكونَ كفرًا]؛ والجائع يرفض أيّ خطاب يحدّثُه عن الدّين، وعن الوطن، وعن القيَم، والمعمَّمون يحدِّثون الجائعَ عن فقهِ المراحيض، وعن آداب رياضة الفِراش (مع احترامي للقراء الكرام)، كما يحدّثونه عن عذاب القبر، وهذا المفكّر الفرنسي [أندريه مالرو] يقول: إنّ الجائعَ يَسمع بِبطنه ولا يَسمع بعقله]..
ثم ذكَر هذا المغنّي الملتزم [المرَض]، وما أكثر المرضى في بلادنا الّذين ترفضهم المستشفيات، فتجدهم نائمين أمام أبواب هذه المستشفيات، وآخرون لا يجدون نفقات الأدوية المرتفعة أثمانُها، فيموتون في صمت، ويدفنون دون طقوس أو مراسم.. ثم ذكَر هذا الفنان في أغنيته الفقر ووصفه بالكفر، والفقرُ كثيرًا ما أفنى أُممًا ومحاها من الوجود، وصدَق [عمرُ بن الخطّاب] حين قال: [لو طبّقَ الإسلامُ، لـمَا بقيَ مِنّا شَقيٌ ولا مَحروم]؛ وأنتَ تعرف أنّ عددًا من المغاربة يعيشون تحت خطّ الفقر، وأنّ بلادَنا تصنّف مع [الصُّومال]، وكثيرٍ من البُلدان الفقيرة فيما يُصَنَّف [أخنوش] من بيْن الأثرياء الخمسة الأوائل في [إفريقيا]..
والفقر تستغلّه البعثاتُ المسيحية التّبشيرية، فتزور أُناسًا يسْكنون المغارات في (الأطلس)، وتُعطيهم موادّ غذائية، وأغطية، وأدوية، فيقول الرّجلُ المنكوبُ سائلاً مَن أكرموه: [مَن أنتم؟]، فيجيبونَه: [نحْن خُدّام الرّب والسّيد. وهذه هديةٌ منه إليكَ]، فيقول الفقيرُ الـمُعْدَم: [دلّوني على هذا الرّب الرّحيم لأعبُدَه]، فيناولونه نسخةً من الإنجيل، فتراه بعد أيام يتحدّث في قناة تبشيرية، وهؤلاء لا يزُورهم [أخنوش] صاحب [قفّة رمضان]، بل لا يهمُّه سماع أيِّ شيء عنهم، وعن مُعاناتِهم، فيما الإسلامُ ينصّ على أنّ المسؤول هو آخرُ مَن يَشبع وأوّل من يجوع، وأنّ في أموالكم حقّا للسّائل والمحروم؛ والسّيد [المسيح] عليه السلام يقول بصريح العبارة في [إنجيل يوحنّا]: [أعْطُوا، تُعْطَوْا]؛ وهؤلاء يُعْطون الشّقاء، والفاقة، والتّعاسَة..
ثم يذكر الفنّان [الذّل]، وقد لبسنا الذّل، وتمرّغْنا فيه، وضَمّنا إليه خاصّةً بعد فضيحة النّساء المغربيات اللّواتي تمّ التّحرشُ بهنّ واستغلالهنّ جنسيًا في إحدى السّفارات ببلدنا، فما رأينا غيرةً، ولا سمعْنا قرارًا اتخذتْه حكومة [أخنوش]، ولا بلغَنا تَحرّكُ منظّمة أو جمعية حقوقية التي تندِّد بأشياء تافهة، وتسكُت عندما يتعلّق الأمرُ بشرف وكرامة المرأة المغربية التي اشتغلتْ في تلك السِّفارة الدّاعرة لِعَدم وجود فُرَص شُغْل شريفة في بلادنا، وهذا ذلٌّ، ومهانةٌ لبسْناهما وسكتْنا عنهما وكأنّنا موتى بلا قبور، فماذا عسانا نقول للأجيال القادمة عندما يُخبِرها التاريخُ بما حصل؛ وبماذا عسانا نجيب الله عزّ وجلّ يوم السّؤال؟! ثم الظّلمُ الذي فشى في البلاد، ويعاني من نيْرِه كلّ العباد، في هذه البلاد.. هذا أُخْرِجَ من بيتِه ظلمًا؛ والآخر انتُزِعَت منه أرضُه؛ وذاك جنديٌ حمل السِّلاح في صحرائنا ولـمّا صار عجوزًا أُهمِل، ومات في صمْت مُهْملاً مقهورًا، وتِلكم فتاة خضَعتْ في الجامعة لـِ(قانون) النّقط مقابل الجنس؛ وسكّانٌ صُودرَتْ أرضُهم، وهدِّمَت بيوتُهم وصاروا مشرَّدين في الخلاء، وآخر يبيتُ جائعا على الطَّوى، وفي التلفزة كذبٌ يلفّق، و[مغرب] يُزوَّق، كلّه رقْص، وتحريكٌ للأكتاف عند الرّجال، وترقيص للأرداف عند النّساء، ثم لهْوٌ، ولعِبٌ، وكذبٌ [ومن النّاس من يَشتري لهْوَ الحديث] صدق الله العظيم. وهذه أبياتٌ نسوقها لِلسّيد [أخنوش]، وحكومته، وبرلمانه فلْيَقْبلْها منّا هديةً متواضعة:
يَبيتُ الفقيرُ وأولادُه * وزوْجتُه يَشْتَكون الطَّوى.. وهذا الغنيُّ وأولادُه * وزوجتُه يأكلون الشّوَى.. ولو سمِعُوا مواطنا يشتكي * من الجوع، ظنُّوه كلبًا عَوَى.. ولو أكلوا التَّمْرَ لم يَسمحوا * لِلفقراء بحبوب النّوى.. [براڤُو عليكم يا سادة!]..