خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخريفية للبرلمان، هو إعلان لتحدي الأزمة الصحية، الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد، كما أنه خطاب الثورة الاقتصادية والاجتماعية، وفي واقع الأزمات لا يصلح إلا الخطاب الثوري، وهو ما ظهر في الخطاب الملكي، الذي ألقاه مساء اليوم مباشرة من القصر الملكي بالرباط في مراعاة تامة للتدابير الصحية.
التحدي يلزم مواصلة السير وتطوير الأداء، فبعد أن بادر جلالة الملك إلى إحداث صندوق خاص لمواجهة جائحة كوفيد 19، والذي بفضله تم دعم ملايين الأسر المتضررة، ممن تأثروا بقرار الحجر الصحي، وبعد القرارات التي أعلن عنها جلالة الملك في خطابي العرش وذكرى 20 غشت، يتضمن هذا الخطاب قرارات وازنة، لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة، التي يعرفها المغرب والعالم.
خطاب الافتتاح يحمل إجابات عملية عن أسئلة الواقع الموسوم بالأزمة، وهي إجابات ترتكز على التلازم بين تحقيق النمو الاقتصادي، والنهوض بالمجال الاجتماعي، مع الحرص على اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط المحاسبة بالمسؤولية، خاصة في القطاع العام.
وفي محاوره الكبرى يمكن تقسيمه إلى ثلاث أقسام:
القسم الأول يتعلق بإنعاش الاقتصاد ووضعه ضمن مقدمة الأسبقيات، حيث أكد جلالة الملك بأن الخطة التي تم اعتمادها لهذا الغرض، تهدف لدعم القطاعات الإنتاجية، خاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار وخلق فرص الشغل والحفاظ على مصادر الدخل.
وأعلن جلالته أن ما يزيد من 20 ألف مقاولة مغربية، بما يقارب 26 مليار و100 مليون درهم، استفادت من آلية القروض المضمونة من طرف الدولة إلى حد الآن، وهو ما مكن هذه المقاولات من الصمود أمام هذه الأزمة، ومن تخفيف آثارها، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على مناصب الشغل.
وكشف جلالته عن إحداث صندوق خاص للاستثمار الاستراتيجي. وذلك لضمان شروط نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، حيث قرر إطلاق إسمه الكريم عليه “صندوق محمد السادس للاستثمار”. ويكفي أن جلالة قرر إطلاق إسمه الشريف على هذا الصندوق مما يمنحه ضمانة إضافية ويضفي عليه المزيد من الإشعاع، لتحفيز الشركاء الوطنيين والدوليين لمواكبة تدخلاته والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص. كما يعكس الدور الريادي المنتظر منه في النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد المغربي.
وفي إطار التوازن بين المجال الحضري والعالم القروي، وفي إطار العناية الموصولة التي يخص بها هذا الأخير، فقد أكد جلالة الملك على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية، وضرورة دعم هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية.
أما المحور الثاني يتعلق بتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، إذ يحرص جلالته على أن يكون للتطور الاقتصادي تأثير ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين، والعمل علي تحقيق العدالة الاجتماعية.
و ما فتئ جلالته يؤكد على ضرورة تمكين جميع المغاربة من الحماية الاجتماعية، باعتبارها عماد صيانة الكرامة الإنسانية وتوطيد التماسك الاجتماعي، وحماية الفئات الهشة، خاصة خلال فترة التقلبات والأزمات الاقتصادية، وفي حالات الطوارئ الصحية، كالتي يشهدها المغرب والعالم حاليا. والمشروع الاجتماعي مشروع كبير وغير مسبوق، يهدف لتمكين كل مغربي أينما كان، وكيفها كان نوع العمل الذي يمارسه (سواء في التجارة أو الفلاحة أو السياحة أو الصناعة التقليدية…) من تغطية اجتماعية شاملة، بمكوناتها الأربعة :
• التغطية الصحية الإجبارية (22 مليون مستفيد إضافي وتهم مصاريف التطبيب والدواء والاستشفاء والعلاج) ؛
• الاستفادة من التعويضات العائلية (حوالي سبعة ملايين طفل متمدرس) ؛
• الانخراط في نظام التقاعد (حوالي خمسة ملايين مغربي يمارسون عملا ولا يتوفرون على معاش) ؛
• الاستفادة من التأمين على التعويض عن فقدان الشغل (كل المغاربة الذي يتوفرون على عمل قار).
أما المحور الثالث فيتعلق باعتماد الحكامة الجيدة وإصلاح القطاع العام، حيث أكد جلالته على أن نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، في كل مراحل إنجازه، وربط المسؤولية بالمحاسبة ؛ والمؤسسات العمومية يجب أن تعطي المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية وليس عائقا لها.
ودعا جلالته الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية على الانخراط في الوظيفة العمومية وجعلها أكثر جاذبية، وذلك لتجاوز النقائص ووضع حد للاختلالات التي تعرفها عملية التعيين، وتحصينها من الاستغلال الحزبي والسياسوي، وتغليب معايير الكفاءة والاستحقاق.