الانتخابات مجرد آلية ديمقراطية لاختيار من يدير الشأن العام، وهي عندنا تفضي إلى فوز حزب سياسي بالرتبة الأولى يتم تعيين رئيس الحكومة منه وفق منطوق الدستور، وليس بالضرورة رئيسه، فسعد الدين العثماني لم ينتخب أمينا عاما للعدالة والتنمية إلا بعد تعيينه رئيسا للحكومة بعد أن تعذّر على عبد الإله بنكيران تشكيلها.
هذه الانتخابات التي هي مجرد آلية للاختيار أصبحت عندنا في المشهد السياسي أم المعارك التي عليها تدور رحى العمل السياسي، ولم تعد آلية ولكن أصبحت عبارة عن حروب متواصلة لا رحمة فيها يتم من خلالها استعمال كافة الوسائل وأساسا الضرب تحت الحزام.
ما إن كتبت إحدى المجلات الأجنبية عن توقع الاسم القادم لرئاسة الحكومة حتى أُعلن عن الحرب. لا ندعي أننا نعرف الخلفيات التي حكمت المقال، وما إن كان مدروسا وموجها أو له أهداف أخرى، لكن في الحد الأقصى هو من باب التوقعات، ولا يمكن أن يكون سببا في كل هذه الحرب.
فما أن يقوم أحد بفتح بالون اختبار حتى يتم إخراج جيش من الذباب الإلكتروني لخوض معركة ضارية تجاه الآخر، وفي الآونة الأخيرة أصبحت المعركة بين مكونات الأغلبية أكثر من غيرها، لأن كل واحد يريد الفوز بالرتبة الأولى أو ما يسمى “حكومة المونديال”، وتم إنزال الافتراضي إلى الواقعي.
لقد عشنا حتى عرفنا أنه بدل أن تشتري المشاهدات في مواقع التواصل الاجتماعي وهي مشاهدات وهمية كما هو معروف، فلقد أصبح لدينا، وحسب مصادر متواترة نوع من الحضور الوهمي، وهو ما يسمى “حزمة القاعة”.
لقد ارتقى سماسرة الانتخابات درجات عليا، وأصبحوا اليوم يقترحون على بعض زعماء الأحزاب، غير القادرة على تجميع المواطنين والمنخرطين، أن يتم كراء القاعة بتجهيزاتها وأكلها وشربها وكراسيها ومن يملأ الكراسي أيضا.
فإذا كان الزعيم يعيش وهما اسمه مخاطبة الجمهور فإن هناك اليوم سماسرة يملؤون هذه الرغبة ويسلمونه قاعة بجمهورها، كي يخاطبهم ويصفقون له عند نهاية كل فقرة، ويصور التليفزيون هذا الحضور الجماهيري الكبير، ثم يقتنع الزعيم بهذا الحضور الواقعي الافتراضي، الذي لا ينفع يوم التصويت، الذي له آلياته أيضا.
هذا النموذج الذي انحدرت إليه الأحزاب السياسية والعمل السياسي بالمغرب خطر على الديمقراطية، التي تعتبر بالمقاييس الكبرى ديمقراطية ناشئة تحتاج إلى رعاية الجميع، فإذا كان جلالة الملك محمد السادس عبر في أكثر من مرة عن إصرار المغرب على السير قدما في نهج الديمقراطية، التي يعتبر دستور 2011 واحدة من لبنات بنائها، والذي منح للأحزاب السياسية دورا كبيرا في الحياة السياسية، باعتبار أن الحكومة تتشكل وفق نتائج الانتخابات، وتبين أن المعضلة ليست في المؤسسات ولكن في الأحزاب نفسها، التي لم تعبر عن رغبة قوية في بناء أسس تناوب حقيقي وكل حزب يريد الهيمنة المطلقة.
أليست من قالت “اللي ما عجبوا حال يمشيوا بحالو” خير تعبير عن مخزون داخلي يترجم المقولة القديمة “المغرب لنا لا لغيرنا”، التي حوربت بظهير الحريات العامة، إلى مقولة جديدة “المغرب للتجمع لا لغيره”.