تواصل فرق المعارضة بمجلس النواب، تحركاتها السياسية الرامية إلى إسقاط حكومة عزيز أخنوش عبر تقديم ملتمس رقابة، في خطوة تُعدّ من أقوى الآليات الدستورية المتاحة أمام المؤسسة التشريعية لمحاسبة الجهاز التنفيذي.
وبحسب معطيات حصلت عليها جريدة “أشطاري”، فإن اليوم الإثنين 12 ماي 2025 شهد اجتماعاً حاسماً بين مختلف مكونات المعارضة، من أجل استكمال جمع التوقيعات المطلوبة دستورياً لتقديم الملتمس، ووضع اللمسات الأخيرة على مذكرة الطعن التي تستعرض الأسباب السياسية والدستورية والاجتماعية التي دفعت إلى اللجوء لهذا المسعى.
ويأتي هذا التحرك السياسي في سياق اجتماعي متوتر، واقتصادي صعب، وسط تصاعد الانتقادات لضعف الأداء الحكومي، وتفاقم مؤشرات الغلاء وتردي الخدمات العمومية، وهي العوامل التي تراهن المعارضة على تحويلها إلى قاعدة سياسية عريضة ضد استمرار الحكومة.
اختلاف حول من يتلو الملتمس
غير أن انسجام المعارضة لم يخلُ من تباين في وجهات النظر، خصوصاً حول من سيتولى تلاوة الملتمس تحت قبة البرلمان، حيث تمسك الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، بأن يُقدَّم الملتمس من طرف رئيس الفريق الاشتراكي عبد الرحيم شهيد، في حين اقترحت مكونات أخرى من المعارضة، خاصة العدالة والتنمية، أن يتولى عبد الله بووانو هذه المهمة، بالنظر إلى كونه منسقاً عاماً للمبادرة.
مضامين المذكرة: فشل سياسي ومؤسساتي
وتتضمن مذكرة ملتمس الرقابة، وفق مصادر مطلعة، جملة من الاتهامات للحكومة، في مقدمتها الإخلال بالتزامات البرنامج الحكومي، وغياب رئيسها عن الجلسات الشهرية للمساءلة، فضلاً عن التغيّب المتكرر لعدد من الوزراء عن جلسات الرقابة البرلمانية.
وتحمل المذكرة أيضاً الحكومة مسؤولية “تأزيم الوضع الاجتماعي والاقتصادي”، من خلال ما وصفته بـ”الفشل في تدبير الأزمات، والتردد في مباشرة إصلاحات استراتيجية”، من قبيل إصلاح التقاعد، ومشروع القانون التنظيمي للحق في الإضراب.
تحديات دستورية وواقعية
ورغم ما يحمله الملتمس من رمزية سياسية قوية، إلا أن طريقه إلى النجاح يواجه تحديات بنيوية. فوفق الفصل 105 من الدستور، لا يُقبل الملتمس إلا إذا وقع عليه خمس أعضاء مجلس النواب، ولا يُعتمد إلا إذا حاز الأغلبية المطلقة عند التصويت.
وفي هذا السياق، فأن المعارضة لا تتوفر حالياً على النصاب اللازم لإسقاط الحكومة، حيث أن نجاح الملتمس مرهون بانشقاق بعض أعضاء الأغلبية وتصويتهم لصالح المعارضة، وهو احتمال يبقى “ضعيفاً في الظرفية الراهنة”.
خطوة سياسية وإن لم تُسقط الحكومة
ورغم ضعف فرص نجاح الملتمس على المستوى العددي، إلا أن محللين يرون أن تقديمه قد يشكل لحظة سياسية فارقة، تعكس اتساع الهوة بين الأغلبية والمعارضة، وتسلط الضوء على إخفاقات الحكومة، ما من شأنه أن يؤثر على توازن القوى في أفق الاستحقاقات المقبلة.
في جميع الأحوال، يبدو أن المعارضة تراهن على ما هو أبعد من إسقاط الحكومة: إنها تريد توجيه رسالة سياسية قوية، تؤكد من خلالها حضورها البرلماني، وتعيد رسم خطوط الصراع السياسي في مرحلة دقيقة من عمر التجربة الديمقراطية بالمغرب.