محمد فارس
في سنة (1936) نُظِّمتِ الألعاب الأولمبية في [ألمانيا] النازية، وقدِ افتتَحها [هتلر] شخصيا، وخلال أحد سِباقات السرعة، فاز مرّةً أخرى المتسابقُ الأسود المعروف بـ[جيسي أونز]، وكان من المفروض أن يقلِّده [هتلر] الميداليةَ الذهبية، ولكنْ لـمّا بدأ توشيحُ صدور الفائزين بالميداليات، انسَحب [هتلر] من الملعب حتى لا يُضطرّ لتقليد البطل الأسود ميداليتَه الذّهبية، وكان المشهدُ مثيرًا، وما زال المؤرّخون يذكرونَه إلى يومنا هذا.. عندما صدَر كتابُ [كفاحي] للزعيم النازي [هتلر]، والذي أملاه على صديقه [رودولف هيسْ] في سجنهما بقلعة [لاندْسبيرغ]، لم يَلتَفتْ إليه أحدٌ عند صدوره سنة (1925)؛ ولكن لـمّا وصل [هتلر] إلى السلطة، حقّقَ هذا الكتابُ أرقامًا قياسيةً في المبيعات في [ألمانيا] كما تُرجمَ لعدّة لغات، وصار هذا الكتابُ هو [إنجيلَ] النّازية.. في هذا الكتاب الذي يعبق بالعنصرية المقيتة، يقول [هتلر] بالحرف: ليس من الطّبيعي أن تأتي بكائنٍ نصفُه إنسان، ونصفُه حيوان وتجعل منه طبيبًا، أو مهندسًا، أو طيّارًا؛ فهذا مخالفٌ للطّبيعة ولإرادة الرّب..
انطلاقا من سنة (1936) بدأت آثارُ العنصرية تظهر في شوارع [ألمانيا] النّازية، فكان أفرادُ الشّرطة يمنعون في محطّات القطار كلّ من له سحنة سامية، بعيون سوداء، وشعْر أسود، أو زنجي من امتطاء القطار، أو الحافلة أو الترامواي، إلاّ من كانت لهم عيونٌ زرقاء، وشعر أشقر، أو له سحنة تبيّـنُ أنّه آرِيٌ؛ وفي سنة (1943)، كانت دعايةُ [غوبلز] تصوّر السّود بشكل مُضْحك مع تعليق عنصري يقول: هؤلاء، هم من استقدمتهم [فرنسا] و[بريطانيا] للدّفاع عن الحضارة الأوروبية.. هذه المشاهد العنصرية، والأحقاد الدّفينة التي أوهمونا بأنّها اختفت، وأنّ العنصرية انتهت، نراها الآن طفتْ على مسرح الشّعور الأوروبي، وأنّها كانت نائمة فقط في اللاّشعور، ولـمّا حدثت حربُ [أوكرانيا]، انبثقتْ فجأة مجدّدا، ورأيتَ على طول الحدود الأوكرانية البولندية، كيف يُسمَح لأصحاب العيون الزرقاء، والشّعْر الأشقر، بالمرور، وبامتطاء الحافلات، فيما يُمنع السّودُ وأصحاب السّحنات العربية من ذلك.. وسائل الإعلام حتى العربية غضّتِ الطّرف عن هذه المشاهد المخزية..
فأنا كمغربي، وعربي، وإفريقي مسلم، لا يهمُّني ما يحدُث في [دونباس] أو في [دونيسك]، ولكن تهمُّني هذه العنصرية المقيتة التي تطال بني جلدتي؛ ما الفرق بيْني وبينهم؟ هؤلاء الذين يتعرّضونَ لهذه الممارسات العنصرية، آباؤُهم، وأجدادُهم ماتوا من أجل [أوروبا] الحرة.. سواعدُ هؤلاء، ومواردُهم هي التي بنتْ [أوروبا] بعْد الدّمار الذي خلّفتْه الحربُ العالمية الثانية.. هؤلاء كانوا يقومون بأعمال كان يترفّع عن القيام بها الأوروبّي الأبيض.. مواردُ هؤلاء وثرواتُهم هي التي موّلت تكاليفَ الحرب وإعادة بناء [أوروبّا].. فهل شاهدتَ ولو قناةً عربية واحدةً أو إفريقية تحدّثتْ عن هذه الممارسات العنصرية البغيضة؟! [طزّ]، بل [طُزّين] في إعلام يهتمّ بما تتعرض له [أوكرانيا] أو [روسيا] وما حدثَ في العالم العَربي من دمار، وقَتل، وتهجير ليفُوقُ في فظاعته ما تتعرض له [أوكرانيا] الصّهيونية أو [روسيا] الصّليبية.. والآن، والعالم منشغلٌ بهذه الحرب، ترى [إسرائيل] تستغلّ الفرصة كعادتِها في القَتل، وفي تدمير بيوت الفلسطينيين، وتستقبل آلاف اليهود الأوكران، وتمنحهم الجنسيةَ الإسرائيليةَ وهو ما يعني زيادة بناء المستوطنات، ومصادرةَ الأراضي، وهدْم بيُوت الفلسطينيين..
الآن، فتحتْ [بريطانيا] مكاتبَ لتسجيل المرتزقة الراغبين في القتال إلى جانب [أوكرانيا]، فيما [الأمم المتّحدة] المنافقة تحْظُر تمويل المرتزقة، فماذا فعلتْ مثلاً وبلادنا اكْتوتْ بنار الارتزاق في صحرائنا المسترجعة؟ ماذا فعلتْ بخصوص تجنيد أطفال للقتال إلى جانب المرتزقة والانفصاليين في صحرائنا؟ أما بخصوص [روسيا]، فقد تطوّع للقتال إلى جانبها ما يزيد عن (16) ألف عربي من [سوريا]؛ لماذا تقاتِل أيُّها العربي إلى جانب [روسيا] وأرضُكَ محتلّة، وهي أَوْلى بقتالكَ ونضالِكَ، وسيكُون مصيرُكَ، كمصير مَن قاتلوا إلى جانب [فرنسا] و[بريطانيا] خِلال الحرب العالمية الثانية؟ لماذا لا ترى كيف يُعامَل بنو جلدتِكَ في الحدود الأوكرانية البولندية لا لشيء إلاّ لأنّهم عَرب ومسلمون، وأفارقة؟ الأمورُ واضحة أمامكَ، لكنّك أُصِبْتَ بالعمى، وماذا ستكسب بمحاربتِكَ إلى جانب [روسيا] أو [أوكرانيا]، وهي حربٌ لا ناقةَ لكَ فيها ولا جمَل؟ لكن الذي لا يستفيد من التّاريخ، معرّضٌ دائما لتِكرارِ أخطائِه، فإلى متى سنظلّ نكرّر هذه الأخطاء، وإلى متى سنبقى ننتج هذه الأخطاء مع إعادة الإنتاج؟ أقذىً بالعين، أم بِالعين عُوارُ؟ وأما الإعلام المُضلّل، وقنوات الخِزْي والعار والشنار، فخيرٌ لكَ ألاّ تشاهدَها كما نصحَكَ بذلك [نزار قبّاني]؛ فتلك قنواتٌ لا تعبِّر عن همومِكَ ولا تناقِش قضاياك فهي مجرّد قنوات [تطبِّل] لمن يموّلها؛ فهي لا تَعنيك إطلاقًا.