في خطوة تعكس سعي الحكومة المغربية إلى احتواء العجز المالي المتزايد، أصدر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منشورًا يدعو إلى ضبط نفقات الموظفين، وترشيد المصاريف التشغيلية، بما في ذلك تقليص الإنفاق على الماء والكهرباء، وكراء السيارات، وتهيئة المقرات الإدارية.
هذا التوجه، الذي يأتي في سياق إعداد البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات (2026-2028)، يثير تساؤلات حول مدى فعالية السياسات المالية التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات الماضية، وما إذا كانت هذه الإجراءات التقشفية استجابة اضطرارية لعجز متفاقم أم جزءًا من رؤية إصلاحية أوسع.
ترشيد أم ارتباك؟ قراءة في قرارات الحكومة
يؤكد المنشور الحكومي على ضرورة ضبط نفقات التوظيف، بحيث تقتصر على الحد الأدنى المطلوب لتنفيذ المشاريع الإصلاحية. غير أن هذه الخطوة تسلط الضوء على غياب استراتيجية توظيفية واضحة منذ البداية، مما يثير مخاوف بشأن تأثير هذه القيود على جودة الخدمات العامة، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة.
وبالإضافة إلى ذلك، تشدد التوجيهات الحكومية على ضرورة تقليص الإنفاق على المرافق التشغيلية للدولة، بما في ذلك تكاليف النقل والتنقل، في محاولة واضحة للحد من المصاريف غير الضرورية. ورغم أن هذه الإجراءات قد تبدو منطقية من حيث المبدأ، إلا أنها تعكس أيضًا توجهاً حكومياً يسعى إلى معالجة الاختلالات المالية عبر خفض النفقات التشغيلية بدلاً من تحسين كفاءة الإنفاق العام واستثماره في مشاريع تنموية ذات عوائد اقتصادية طويلة الأمد.
إعادة الهيكلة: إصلاح متأخر أم محاولة إنقاذ؟
من بين أبرز النقاط التي يثيرها منشور رئيس الحكومة، الحاجة إلى تحيين الهيكلة الإدارية للقطاعات الوزارية بهدف تقليص التداخل في الاختصاصات وتحسين الأداء الحكومي. هذه الخطوة، رغم أهميتها، تطرح تساؤلات حول مدى نجاعة النظام الإداري الحالي، ولماذا يتم التوجه نحو إصلاحه في هذه المرحلة تحديدًا، خاصة أن هذا النقاش كان مطروحًا منذ سنوات دون خطوات تنفيذية ملموسة.
وفيما يتعلق بالاستثمار، تدعو الحكومة إلى إعطاء الأولوية للمشاريع المرتبطة بتوجيهات ملكية أو اتفاقيات دولية، وهو ما يعكس التحديات التي تواجهها في وضع سياسات استثمارية مستقلة قائمة على رؤية اقتصادية واضحة. كما أن الحديث عن تسريع المشاريع المتأخرة يفتح المجال أمام تساؤلات حول أسباب هذا التأخير، وما إذا كان ناجمًا عن سوء التدبير الإداري أم عن نقص الموارد المالية.
التقشف كخيار لا مفر منه؟
ضمن هذا السياق، تستهدف الحكومة تحقيق معدل نمو يبلغ 4.1% في عام 2026، و4.2% في 2027، و4.4% في 2028، مع تقليص العجز الميزانياتي إلى 3% والتحكم في معدل التضخم عند 2%. ورغم أن هذه الأهداف تبدو طموحة، إلا أن اللجوء إلى إجراءات تقشفية صارمة قد يؤثر على قدرة الحكومة على تحفيز الاقتصاد، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة واتساع رقعة الفقر.
إن الإجراءات المعلنة تعكس تحديات بنيوية عميقة يواجهها الاقتصاد المغربي، إذ أن ضبط التوازنات المالية لا يمكن أن يعتمد فقط على خفض النفقات التشغيلية، بل يتطلب إصلاحات هيكلية تعزز النمو الاقتصادي، وتحفز الاستثمار، وتحد من الاعتماد على الحلول الظرفية التي قد تؤدي إلى أزمات مماثلة في المستقبل.