واجهت أغلبية حكومة أخنوش الإضراب العام بالمغرب، بالمصادقة على مشروع القانون الجديد للإضراب، و الإصرار على تمرير قانون مثير للجدل، و تهميش مطالب النقابات و مكتسبات و حقوق الطبقات العاملة بالمغرب، حيث وصف رئيس الحكومة المصادقة على قانون الإضراب بـ”اللحظة التاريخية”.
و صادقت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في اجتماع عقدته الثلاثاء، بالأغلبية، على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب كما أحيل من مجلس المستشارين، مع تصحيح خطأ مادي، وذلك في إطار قراءة ثانية، وقال أخنوش، خلال تعقيبه الثلاثاء من منصة الغرفة البرلمانية الثانية التي صادقت ليل الاثنين في جلسة عامة على مشروع القانون المثير للجدل، إن “بلادنا تعيش اليوم لحظات دستورية تاريخية”، وفق وصفه وأضاف المسؤول الأول في الفريق الحكومي أنها “لحظة مهمة يَعكِسها اقترابنا من المصادقة البرلمانية على آخر القوانين التنظيمية المرتبطة بالدستور وهو القانون التنظيمي للإضراب، الذي لم يتبقَّ له سوى التصويت عليه في مجلس النواب في إطار قراءة ثانية”.
واستحضر أن “هذه اللحظة تنتظرُها بلادنا منذ أزيد من 60 سنة، أي منذ صدور أول دستور يضمن الحق في الإضراب”، لافتا إلى أن “بلادنا لم تكن، خلال الـ60 سنة الماضية، تتوفر على قانون تنظيمي للإضراب؛ مما يجعل، اليوم، هذه اللحظة تاريخية في مسار المملكة”، بتعبيره.
وبينما اعتبر أخنوش أن “المصادقة على المشروع إنجازٌ كبير في حد ذاته”، زاد واصفا إياه بأنه “يُحسب ضمن لائحة الإنجازات الطويلة لهذه الحكومة”، قبل أن يُعرِّج على مسار مناقشته التي “لم تكن سهلة”، وقال “تمّت المشاورات من خلال انعقاد 70 اجتماعا في 22 شهرا؛ منها 30 اجتماعا مع كل القطاعات الحكومية، وحوالي 40 اجتماعا مع النقابات ومع الفرق البرلمانية للأغلبية والمعارضة”.
وحاول رئيس الحكومة، في معرض التعقيب ذاته، أن يبعَثَ إشارات “طمأنة وتهدئة” إلى الفاعلين النقابيين، على اختلاف مشاربهم وروافدهم، مخاطبا تمثلياتها الحاضرة في الجلسة ذاتها بالقول: “أشكر بهذه المناسبة النقابات وعلاقتُنا بها أكبر من قانون الإضراب… وما زال ينتظرنا معها عمل كبير في عدد من الأمور”.
وسجل متابعا حديثه عن مشروع القانون التنظيمي للإضراب بأن من إيجابياته أن يُقدِّم رؤية أكثر وضوحا للمستثمرين”، مشددا على أن “الصيغة الحالية للقانون التنظيمي للإضراب أفضلُ بكثير من الصيغة الأولى (صيغة 2016)”وحظي مشروع القانون بموافقة 11 نائبا برلمانيا ومعارضة 7 آخرين، فيما لم يمتنع أي نائب عن التصويت.
و أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن النقاش الذي عرفه مشروع القانون خلال كل المراحل أسهم في تجويد النص بشكل كبير وجعله يستجيب لأغلب التعديلات الشكلية والجوهرية المقترحة، مضيفا أن النص الحالي يقيم التوازي المطلوب بين حقوق المشغلين وحقوق الأجراء وأبرز السيد السكوري أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، كما أحيل من مجلس المستشارين، هو نص متوازن وفيه العديد من الآليات التي تنذر بنجاحه.
وبخصوص التعديلات، قال الوزير إن النص عرف تطويرا كبيرا نزولا عند رغبة العمال والنقابات، من خلال إعطاء الأفضلية للمقتضيات التي تكون في صالح الشغيلة والنقابات كلما تعلق الأمر بحالة تنازع في التشريعات الجاري بها العمل وأفاد أنه تمت إضافة تعديلين جوهريين يتعلقان بإمكانية تنظيم الإضراب من أجل الدفاع على المصالح غير المباشرة للعمال، بالإضافة إلى المصالح المباشرة، ‘وبذلك أصبح الإضراب التضامني و السياسي متاحا بشكل واضح في القانون” وفيما يتعلق بفئات المضربين، أشار الوزير إلى أن الحق في الإضراب بات اليوم يشمل المهنيين بجميع أصنافهم والعاملات والعمال المنزليين والعمال المستقلين والعمال غير الأجراء.
وبخصوص تدخل رئيس الحكومة في منع أو وقف الإضراب، أكد الوزير أن “النص احتكم إلى المرجعية الدولية في المجال، التي تقول بصريح العبارة إنه بإمكان السلطات العمومية أن توقف وتمنع الإضراب في حالة وجود كارثة طبيعية أو أزمة وطنية حادة”.
وأشار الى أنه بمقتضى الصيغة الحالية لمشروع القانون التي من المنتظر أن تحال يوم غد الأربعاء على مجلس النواب للتصويت عليها في إطار جلسة عامة، في قراءة ثانية، لم تعد لدى المشغل إمكانية لعرقلة حق الإضراب، تحت طائلة غرامات تتراوح بين 20.000 و200.000 درهم.
وفي السياق ذاته، أشار السيد السكوري إلى أنه لم يعد بإمكان المشغل أن يطرد أو ينقل بتاتا العامل المضرب، أو أن يعرضه لأي إجراء تعسفي آخر، مضيفا أن مشروع القانون عمل، كذلك، على توسيع الحرية النقابية من خلال تمكين النقابات ذات التمثيلية و ليس بشرط حصولها على صفة الأكثر تمثيلية، من الدعوة إلى الإضراب على المستوى الوطني في كل القطاعات أو على المستوى القطاعي.
وفي مداخلاتها بخصوص مشروع هذا القانون التنظيمي، نوهت فرق الأغلبية بـ “الضمانات الحقيقية” التي يقدمها هذا النص لممارسة الإضراب باعتبارها حقا دستوريا وحيويا للشغيلة.
وأشادت الفرق البرلمانية بـ “التشاور الواسع الذي قادته الحكومة من أجل إخراج هذا القانون الأساسي الذي سيحفظ حقوق العمال ويكرس الحفاظ على مناصب الشغل والاستثمارات على حد السواء”.
من جهتها، اعتبرت المعارضة النيابية أن بلورة هذا النص “لم تحترم منهجية الحوار الاجتماعي والتوافق”، مبرزة أن “القانون مغلف بتقويض الحق في الإضراب ويجهز على حق دستوري أساسي”، داعية إلى الأخذ بعين الاعتبار التعبيرات المجتمعية المختلفة والعمل وفق مقاربة تشاركية ناجعة، لا سيما في قضايا من هذا القبيل
و قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش إن المغرب نجح في توطيد الخيار الاجتماعي من خلال مراجعة نموذج سياساته الاجتماعية، واعتبارها آلية لترسيخ الثقة وتكريس مناخ اجتماعي سليم وأضاف أخنوش، خلال جلسة المساءلة الشهرية الثلاثاء بمجلس المستشارين، أن القطاعات الاجتماعية أصبحت أكثر مسؤولية وفعالية ومواكبة لتطورات المجتمع. وأشار إلى أن الحكومة اتخذت مجموعة من المبادرات الهيكلية التي كان لها وقع مباشر في تحسن مردودية الاقتصاد الوطني، وتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة مخاطر الظرفية.
واعتبر رئيس الحكومة أن “المغرب راكم العديد من المكتسبات مع الثقة في الذات والأمل في المستقبل”، مؤكدًا أن الحكومة ملتزمة بمضاعفة جهودها بشكل يرقى لخدمة التطلعات الوطنية، وبلورة مخططات تسهم في التطوير الشامل لبلادنا باتجاه أكثر إنصافًا وعدالة.
وتحدث أخنوش عن ما وصفها بالحكامة التنظيمية والمؤسساتية، مشيرًا إلى توفير الظروف الملائمة لتحديث المنظومة التدبيرية وتقوية مداخلها المؤسساتية، والدفع بالنموذج المغربي في مجال الحكامة المؤسساتية إلى مستوى متقدم وتابع قائلاً: “لا يكفي التوفر على مشاريع وبرامج قطاعية واعدة، بقدر الحاجة الماسة إلى ترسيخ توجه تنظيمي جديد يقوم على آليات فعالة لقيادة الأوراش المفتوحة وتتبعها مع ضمان إنجازها الميداني”.
وأكد رئيس الحكومة أن “الحكومة يحسب لها حرصها الشديد على مأسسة آليات القيادة والتتبع بشكل يروم تعبئة الذكاء الوطني، وخلق جسور الالتقائية بين مختلف القطاعات، وإعطاء نفس جديد لمجموعة من اللجان البين قطاعية، مع تنويع أساليب اشتغالها”.
وأفاد أن الحكومة ومنذ بداية الولاية الحكومية كانت حريصة على إقرار جيل طموح من الميزانيات والبرامج، وفق مبادرة مندمجة ترتكز على منطق النتائج، التي لمسها الجميع في تنفيذ المشاريع المهيكلة، وعلى رأسها ورش تعميم الحماية الاجتماعية وزاد ” هذا المسار الجديد من العمل الاجتماعي يعكس مصداقية الالتزامات الحكومية، واتضحت معالمه من خلال مأسسة آلية الحوار الاجتماعي، الذي أسفرت مختلف جولاته عن دعم الطبقة الشغيلة والحفاظ على قدرتها الشرائية، عبر مخصصات مالية تجاوزت 45 مليار درهم”.