كشف محمد البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن الفساد يكلف المغرب ما يناهز 50 مليار درهم سنويا، موضحا خلال تقديم التقرير السنوي للهيئة خلال سنة 2023، أن 23 بالمائة من المقاولات المغربية تعرضت لأفعال الفساد، مؤكدا أن المملكة لم تحسن ترتيبها في مؤشرات إدراك الفساد خلال 20 سنة الأخيرة.
ونبه الراشدي، الى أن آفة الفساد لديها انعكاسات اقتصادية واجتماعية كبيرة، ثقلها يؤثر على التنمية، مفيدا أن الآفة تمس البلدان المتقدمة والفقيرة بنسب متفاونة، و أن الفساد يؤدي إلى سوء استخدام السلطة، كما يحد من الإنتاج، معتبرا أن التراجع بنقطة واحدة في مؤشر الفساد من شأنه أن يقلص مداخيل الدولة بما يناهز يناهز 7.8 في المئة.
واوضح الراشدي، أن الفساد يكلف وطنيا ما بين 3.5 إلى 6 المئة من الناتج الداخلي الخام، أي ما يفوق 50 مليار سنويا، مفيدا أنه على المستوى العالمي يمثل الفساد 2000 مليار دولار، أي ما يعادل 4 في المئة من الناتج الخام العالمي، مبرزا أن المغرب لم يحسن وضعه في مؤشرات مكافحة الفساد في فترة 20 سنة الأخيرة، إذ لم يتقدم إلا بنقطة واحدة في مؤشر إدراك الفساد ما يجعل بلادنا تفقد طاقات كبيرة لتحقيق التنمية، مسجلا وجود تراجع في مؤشر استقلال القضاء وحرية الصحافة والخدمات عبر الأنترنيت.
و يحتل الفساد، وفق الراشدي، المرتبة الثامنة من بين الاهتمامات الأساسية للمقاولات، مفيدا أن نسبة 68 في المئة من المقاولات تعتبر أن الفساد شائع جدا وواسع الانتشار في المغرب، لافتا إلى أن 23 في المئة من المقاولات صرحت بتعرضها لأفعال الفساد من أجل خدمات لديها فيها الحق وليست امتيازات، خلال 12 شهرا الأخيرة، مع تسجيل عدم لجوئها إلى التبيلغ خوفا من الانتقام وبسبب غياب النجاعة.
ورصد رئيس هيئة النزاهة أن الفساد منتشر بشكل أساس بمجال التراخيص والاعتمادات والتصاريح، والصفقات العمومية والتوظيف، مبرزا أيضا أن الفساد منتشر في العلاقة بين الإدارة والمواطن وفي مناخ الأعمال وبالمجال السياسي، حيث اهتمت الهيئة ببحث السبب في استمرار الفساد رغم الاستراتيجيات والإجراءات المتعددة، مشيرا إلى تقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تحقق أهدافا، ذلك أن هدف التقدم في مؤشر مدركات الفساد بـ +23 نقطة لم يتحقق منه إلا نقطة واحدة ليصل المغرب 38 نقطة.
وسجل نواقص في الاستراتيجية الوطنية منها تغطية غير كاملة أو غير عميقة بما فيها الكفاية للمواضيع الأساسية، ومستوى غير متجانس لدقة المشاريع، لافتا من جهة أخرى إلى ضعف التفاعل من الجهات المعنية مع توصيات الهيئة الواردة في تقاريرها السابقة.
وأبرز وجود تجاوب نسبي بإعادة التصريح بالممتلكات الذي سيعتمد أكثر على الرقمنة، وتنازع المصالح، وحماية الموظفين العموميين المبلغين عن أفعال الفساد، التي سيتم تقديم مشاريع بشأنها، مفيدا أن الهيئة تقدم آراء بضرورة إدخال تعديلات جوهرية لتجاوز مظاهر القصور في المشاريع.
وأشار الراشدي إلى أن مجال محاربة الفساد معقد نظرا لخصوصيات ظاهرة الفساد وتشعباتها، والتي لا يمكن الوصول إلى نتائج في إطارها دون عمل شمولي يدمج جميع السلطات والفاعلين، بمن فيهم الفاعلين بالقطاع الخاص، مشددا على أن الهيئة واعية بمسؤوليتها في منظومة مكافحة الفساد لجعل العمل بفعالية وأثر، ولفت الراشدي إلى أن الهيئة خلال السنوات الماضية اشتغلت على أزيد من 40 ورشا بمجالات لها علاقة بمكافحة الفساد، معتبرا أن المقومات جاهزة للانتقال إلى مرحلة جديدة من محاربة الفساد.
و أوضحت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن مؤشر مدركات الفساد برسم سنة 2023 ظلت في حالة ركود، مؤكدة أن الفساد في المغرب يتقاطع مع التراجعات المسجلة في مجال الحقوق السياسية والمدنية.
وشددت الهيئة في تقريرها السنوي برسم 2023، أن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط مازالت تنتظر مسارا طويلا لضمان النزاهة والعدالة في مختلف أنحاء المنطقة، وأن التحديات التي تواجهها منطقة إفريقيا فيما يتعلق بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والاستقرار السياسي، توفر أرضية مواتية لتفاقم الفساد.
وأشار التقرير أن وضعية المغرب غير مرضية في مختلف المؤشرات والتقارير والأبحاث المتعلقة بالفساد، والتي لم تعرف تحسنا خلال العقدين اللذين غطتهما هذه المؤشرات، إذ تراجع المغرب بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، واحتل الرتبة التاسعة على المستوى العربي، وتراجع ترتيبه بدرجتين على المستوى الإفريقي.
وأكد أن هذه التراجعات تتقاطع مع ما خلصت إليه بعض المؤشرات غير المباشرة، التي أظهرت تراجع المغرب على مستوى مؤشر الفساد السياسي الذي يصدره مشروع أنماط الديمقراطية، وتراجعه على مستوى المؤشرين المتعلقين بتطبيق القانون والحكومة المنفتحة المتفرعين عن مؤشر سيادة القانون الذي يصدره مؤشر العدالة العالمي، وكذا تراجعه في المؤشرات الفرعية المتعلقة باستقلال القضاء وحرية الصحافة وبالخدمات والأنترنت، المنبثقة من مؤشر النزاهة العمومية الذي يصدره مركز الأبحاث الأوروبية لمكافحة الفساد وبناء الدولة.
ونبه التقرير إلى الإشكالية التي سبق وتحدث عنها المجلس الأعلى للحسابات، والمتعلقة بمحدودية التوصل بطلبات في شأن القضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية، من قبل السلطات المخول إليها إحالة القضايا على المحاكم.
وأبرز أن الفساد يحتل مرتبة متقدمة ضمن انشغالات المقاولات التي شملتها الدراسة، وأن الحصول على التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية، والصفقات والمشتريات العمومية، والتوظيف والتعيين والترقية في القطاع الخاص، تعد بالنسبة للمقاولات المجالات الأكثر تضررا من الفساد.
وسجل التقرير أن فعالية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تأثرت بمحدودية منظومة حكامتها، خاصة على مستوى الإشراف والتنسيق، ذلك أن الديناميكية التي ميزت سنة 2019، بعد تبني التوصيات التي تقدمت بها الهيئة في إطار تقريرها الأول لتقييم الاستراتيجية، سرعان ما عرفت فتورا ملحوظا، بما رسخ العودة إلى تغليب البعد القطاعي، الأمر الذي شكل عاملا أساسيا في غياب النتائج بالمستوى المتوخى من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وبالتالي استمرار الوضع غير المرضي لتطور الفساد ببلادنا.
و تطرق التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لتراجع المغرب بخمس نقاط في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، حيث حصل على درجة 38/100، مكرسا مسلسل التراجع في هذا المؤشر الذي انطلق سنة 2018.
وأشار التقرير الذي عرضته الهيئة في ندوة صحفية بالرباط، أنه على المستوى العربي، احتل المغرب سنة 2023 الرتبة التاسعة، مسبوقا بكل من الإمارات وقطر والسعودية، والأردن والكويت وسلطنة عمان والبحرين وتونس، ومتبوعا ب 12 دولة، تشمل الجزائر ومصر ولبنان وجيبوتي وموريتانيا والعراق وجزر القمر والسودان وليبيا واليمن وسوريا والصومال.
وعلى المستوى الإفريقي، تراجع ترتيب المغرب بدرجتين، حيث احتل مرتبة وسطى، مسبوقا ب 16 دولة، تشمل السيشل، والرأس الأخضر وبوتسوانا، ورواندا، وموريتيوش، وناميبيا وساوتومي، وغانا والسينغال، وبننين، وبوركينا فاسو، وجنوب إفريقيا، وساحل العاج، وتانزانيا وتونس، وليسوطو.
وأوضح التقرير أن المغرب تراجع في المؤشر الفرعي المتعلق باستقلال القضاء حيث حصل على 4.8/10 نقطة، وحرية الصحافة 3.44/10 نقطة، كما سجل تراجعا على مستوى المؤشرين المتعلقين بتطبيق القانون والحكومة المنفتحة المتفرعين عن مؤشر سيادة القانون، الذي يصدره مشروع العدالة العالمي.
وسجل المغرب أيضا تراجعا على مستوى مؤشر الفساد في السلطة التنفيذية، إذ فقد 7 نقاط مقارنة مع سنة 2022، وتراجعا على مستوى مؤشر الفساد في السلطة التشريعية بسبع نقاط أيضا مقارنة مع سنة 2022، وتراجعا بمعدل 19 نقطة في مؤشر الفساد بالسلطة القضائية.
وانعكست هذه النتائج السلبية على مؤشر الفساد السياسي الذي يعتمد على المؤشرات الأربعة، حيث انتقل تنقيط المغرب من 58 إلى 59 وترتيبه من الرتبة 102 إلى الرتبة 105، وساهمت هذه النتائج في حصول المغرب على تنقيط سلبي على مستوى مؤشر إدراك الفساد لسنة 2023.
ولفت التقرير إلى أن استطلاعات الرأي المنجزة في إطار البارومتر الإفريقي الصادر سنة 2023 حول المغرب، تؤكد على تفاقم الفساد، حيث احتل الفساد المرتبة السابعة ضمن المشاكل التي يواجهها المغرب، والتي يجب على الحكومة أن تعالجها.
التقرير أكد أيضا ارتباط الفساد بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، حيث يتزايد الإدراك بتفاقم الفساد، خاصًة لدى الطبقات الفقيرة والمهمشة والمناطق النائية، مما يدل على أن تكاليف الفساد المرتفعة تتحملها الفئات الضعيفة، وتظهر آثارها في الحقوق التي يحرم منها الفقراء في مجموعة من المجالات مثل التعليم الجيد، والسكن اللائق والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية، ويجسد هذا الحرمان انتشار الفساد وانخفاض في معدلات الشفافية، حيث تعزز الاقتناع لدى المنظمات المهتمة أن هناك ارتباطا وثيقا بين تدني مستوى الحكامة وتقليل فرص الوصول إلى الحقوق الأساسية.