لم يجد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية حججا يستدل بها ليرد على أسئلة البرلمانيين، وجاء ضعيفا مثل غيره من وزراء الحكومة، التي زعم رئيسها أنه اختار لنا خيرة الأطر في هذه البلاد، وعن كل الأسئلة التي تتعلق بالمخطط الأخضر وارتفاع أسعار الفواكه والخضر والمنتوجات الفلاحية، كان يصعد إلى رأس الجبل عبر جمل إنشائية لا يمكن أن تنطلي حيلها على أي واحد يفهم الدنيا وما فيها دون الحاجة إلى الخبرة.
لقد أوضحت لنا الأزمة العالمية أن الحكومة المغربية لم تعد تفكر في الشعب وتركته لحال سبيله بعد أن تبين أن حجم المخزون الاستراتيجي من الحبوب لم يعد يتجاوز النصف، وهذا نذير جوع يطارد المغاربة المتروكين لحال سبيلهم.
جاء المخطط الأخضر في الأصل لتأهيل الفلاحة المغربية حتى تصبح قادرة على المنافسة، لكن لا يوجد عاقل يستطيع المغامرة بالبلاد حيث يتم توفير المنتوجات الفلاحية للتصدير بينما لا يجد ابن البلد ما يأكله. ليس هناك بلد يصدر ما هو بحاجة إليه إلا هذا البلد الذي تديره حكومة “تجمع المصالح الكبرى”.
لكل مخطط فلسفة وكانت فلسفة المخطط حسب واضعه أن يرقى بالفلاح والمزارع المغربي نحو الدخول إلى بوابة المعاصرة، وأن يتساوى في الفرص الجميع، غير أن من أوكل إليهم تنفيذ هذا المخطط حرّفوه عن مواضيعه الطبيعية، وبدل أن يستفيد منه كل المغاربة أو على الأقل الراغبون منهم، تم تعقيد مضامينه حتى يستفيد منه فئة قليلة إن لم نقل حفنة من المستثمرين الكبار في المجال الفلاحي وهم يعدون على رؤوس الأصابع.
إذن نحن أمام مؤامرة خطيرة ارتكبها المشرفون على مخطط المغرب الأخضر، فمن لم يحققوا أهدافه بتأهيل الفلاح المغربي نحو العصرنة، واكتفوا بتأهيل شركاتهم الفلاحية، ومن جهة ثانية أفقدوا المغرب زراعاته الأساسية التي منها كان يقتات المغاربة، فلم ينعكس هذا المخطط على المغاربة بل انعكس سلبا، وجعل من الكثير منهم “عبيدا” لدى الشركات الفلاحية الكبرى، وضرب القدرة الشرائية للمواطن، بعد أن ارتفعت أسعار المنتوجات الفلاحية بشكل خيالي.
أي بلد يفكر في الفلاحة التصديرية، لأنها من المنابع الأساسية للعملة الصعبة، لكن الميزان يقتضي ألا تشتري كل ما تحتاجه وإلا فإن ما تجلبه من عملة صعبة لن يكفي لاقتناء الحاجيات أيضا، ولكن إذا كان الأمر يقتصر على ما فوق الحاجة حينها يمكن أن تنافس وبقوة، لأنك لن تكون خاضعا لمتغيرات السوق الدولية.
وها هو وزير الفلاحة، الكاتب العام السابق لوزارة الفلاحة المشرف على المخطط الأخضر بتفويض من أخنوش، يكشف عن سر خطير، حول غلاء أسعار المنتوجات الفلاحية في السوق الوطنية، حيث قال رسميا إنها تذهب للسوق الدولية. من لديه شبه غيرة على البلد يفهم أنها مؤامرة وتفريط في الأمن الغذائي الذي قد يؤدي إلى انفراط عقد الأمن الاجتماعي لا قدر الله.