إدريس عدار
لم يتم بعد طرح مدونة الأسرة للنقاش. ما تم الإعلان عنه هو بعض التعديلات التي تم عرضها على نظر المجلس العلمي الأعلى ليقول كلمته فيها. المجلس العلمي الأعلى يمثل مؤسسة الإفتاء. في مجتمع له هوية ثقافية لا يمكن الخروج عن قاعدة “التشرُّع”. والفتوى دائما تحتاج إلى اجتهاد. والمجتهد يبحث عن مراد الله من التشريع. لكن لا أحد يمكن أن يجزم بأن ما جاء على لسان الفقيه هو الحق، ولكنه اجتهاد يمكن الاستغناء عنه إذا ظهرت مستجدات تقضي بتجاوزه.
نعم الفتوى هي شرع الله بمقتضى ما توصل إليه نظر الفقيه. إذا كنت لا تريد الفقيه أن يفتي ولا تريد ملاءمة التشريعات التي تهم الأسرة بتعاليم الدين، لا تحم حول النصوص وتلوي عنقها ولكن طالب بالدولة المدنية ودافع عنها.
يبدو أن النقاش حول المدونة اتخذ طابع “السخرية”، ليس فقط بين عموم الناس ولكن حتى عند النخب. نقاش غايته الانتصار لقضية دون أخرى. ولكن لا أحد ممن تصدوا للموضوع بحث عن الخيط الرابط بين هذه القضايا، حتى نعرف هل المدونة في شكلها الجديد ستكون لفائدة الأسرة أم ستكون وبالا عليها؟
توزعت الآراء حول التعديلات بين ثلاث فئات، لكن ليست هناك ثلاث أفكار. الأولى هي التي اعتبرت أن التعديلات تعتبر استجابة لمطالب المرأة المغربية وجاءت إنصافا لها، ومحاولة لحماية الأسرة واستقرارها. الفئة الثانية اعتبرت أن المدونة لم تكن منسجمة مع التطورات التي عرفها المغرب ووصفت العلماء بالتزمت بعد أن رفضوا استعمال “البصمة الجينية” كوسيلة لإثبات النسب. الفئة الثالثة اعتبرت أن علماء المغرب خانوا الدين واستجابوا للعلمانيين وأن ما جاؤوا به مخالف للشريعة الإسلامية، بدليل إخراج بيت الزوجية من التركة.
استخراج عنصر واحد من بين كل العناصر والبناء عليه للحكم على المدونة بأنها لا تصلح لأمر غير علمي من هذا الطرف أو ذاك.
بعض الليبراليين والعلمانيين يعودون إلى النصوص الدينية ليبحثوا عن ضالتهم فيها بعد تطويعها قراءة وتأويلا. القراءة والتأويل مطلوبان لكن وفق قواعد وضوابط. لكن هذه الفئة من الأفضل أن تفصح عن نفسها وتطالب بالدولة المدنية. حتى لا يكون هناك لبس. في الجهة الأخرى توجد جمعيات وجماعات تقول إنها تصدر عن الدين وأن ما جاءت به التعديلات لا ينسجم مع الإسلام. في البحث عن خلفياتها نجد أنها تمتح من مدارس أخرى بعيدة عن الاجتهادات المغربية.
فمثلا حق الكد والسعاية ينتمي للفقه المغربي وتم التعامل به قرونا بسوس والشمال واعتبرته إحدى الجمعيات أنه شاذ من الاجتهادات الفقهية. كيف يكون شاذا وقد دأب عليه المشرع قرونا وليس سنوات؟
أعتقد أن الانتصار لهذه الفكرة أو تلك ليس مجديا، وفي وقت تستعد اللجنة لتقديم قانون شامل من الأفضل تقديم قراءات رزينة من قبل المعنيين إقامة للحجة وتأثيرا على من يتولى الصياغة.